منذ الإعلان عن توسيع تجمع بريكس فى قمته الخامسة عشرة بجنوب أفريقيا، لم تتوقف التحليلات والمواقف تجاه هذا الكيان الذى يحمل قدرا كبيرا من إعلان الحقيقة ويعيد تشكيل نظام عالمى ظل طوال ثلاثة عقود يحمل تناقضاته فى داخله، خلال ثلاثة عقود صعدت دول وتراجعت أخرى فى قائمة التأثير والنفوذ العالمى، الذى شهد تحولات كمية من شأنها أن تتحول إلى تغيير كمى بقوانين الفيزياء السياسية، وبالتالى فإن ما يجرى الآن هو تحول وتعبير عن رغبة وطموح فى إعادة تشكيل النظام الذى لم يعد مناسبا للواقع وحجم التأثير والنفوذ الاقتصادى.
لم يتوقف العالم عن التحول على مدار القرن العشرين، وما يشهده من تحولات وتفاعلات فى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، هو استمرار هذه التحولات فى السلطة التى تنبأ بها خبراء المستقبليات منذ التسعينيات من القرن العشرين، وهى تحولات لا تتعلق فقط بالسلطة السياسية المحلية لكل دولة أو إقليم، لكنها تمتد لتصبح تحولا فى حجم وشكل السلطة والنفوذ فى العالم، وهناك مظاهر لشكل جديد من العالم تبدو فيه الولايات المتحدة إحدى القوى الفاعلة لكنها ليست القوة الوحيدة، مثلما كان سائدا منذ انتهاء الحرب الباردة فى تسعينيات القرن العشرين.
لهذا فإن تجمع «بريكس» ترجمة لمساعى الصين والدول الناشئة لتحقيق نمو سريع للكتلة التى تضم الاقتصادات الناشئة الكبيرة، التى لا تجد النظام الاقتصادى العالمى متناسبا مع حجم وقوة الاقتصاد فى دول العالم ذات الاقتصاد الصاعد والطموحات التنموية، وبالتالى فإن تجمع «بريكس» هو نتاج طبيعى لتفاعلات لم تتوقف وانتقادات تجاه نظام الاقتصاد العالمى القائم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى وضعت أسسه وقواعده فى اتفاقية بريتون وودز، التى وضعت فى مؤتمر النقد الدولى يوليو 1944 بالولايات المتحدة الأمريكية، وتشكيل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى اللذين ظلا تحت سيطرة الولايات المتحدة والسبع الصناعية، بعد تشكيلهما مع انتصار الحلفاء وبدايات الحرب الباردة.
وخلال العقود الأخيرة ظهرت اختلالات فى النظام الاقتصادى دعت الدول والتجمعات الإقليمية والسياسية للمطالبة بإصلاح الأمم المتحدة ومعها المنظمات التى قامت ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع صعود اقتصادات دول مثل الصين والبرازيل والهند، وطموحات دول مثل مصر وجنوب أفريقيا، ورغبة دول مثل السعودية والإمارات العربية فى انتهاج طريق للتنمية المستقلة، وهى مطالب لا يساعد النظام الاقتصادى الحالى فى تحقيقها.
أمام القمة 15 لبريكس فى جوهانسبرج تحدث الرئيس الصينى شى جين بينج عن عالم أكثر «إنصافا وعقلانية»، يضمن مصالح أطراف متعددة، وليس طرفا واحدا، وأعلنت دول التجمع المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ضم 6 دول هى مصر والسعودية و إيران والإمارات العربية المتحدة والأرجنتين وإثيوبيا اعتبارا من يناير المقبل، وهذه الدول منها ثلاث دول عربية محورية هى مصر والسعودية والإمارات مع دول أخرى تمثل وزنا إقليميا هاما فى مناطقها، إيران فى الشرق الأوسط وإثيوبيا فى أفريقيا والأرجنتين فى أمريكا اللاتينية.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، اعتبر أن توسع «بريكس» بمثابة مؤشر على وجود نية لبناء نظام عالمى جديد، وأن ذلك يخلق مخاطر «تجزئة العالم»، على حد تعبيره.
وفى الولايات المتحدة ذهب بعض المحللين إلى اعتبار «بريكس» تهدد سلطة الولايات المتحدة، ويمكن أن تضعف قدرات أمريكا وتأثيرها على الاقتصاد العالمى، بالرغم من أن الرد الرسمى من الخارجية الأمريكية «سنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا فى إطار ثنائى، إقليمى، ومتعدد الطرف لتعزيز ازدهارنا المشترك وتعزيز السلام العالمى والأمن».
لكن هذا الرد الدبلوماسى، لا يمنع القلق الذى اعترى دولا كبرى، ترى أن «بريكس» يمكن أن يكون أهم متغير فعلى منذ نهاية الحرب الباردة، وحتى لو لم تظهر نتائجه فورا، فإنها بالطبع سوف تغير كثيرا من سلوك الولايات المتحدة، والدول الصناعية الغربية تجاه معالجة تأثيرات واقعة بلا شك.