"كل غنوة عالفرح كانت..عالجرح كانت..عالصبر كانت..عالحب كانت كتبتها وقولتها كانت عشانك".. يلخص هذا الكوبليه من أغنية العيون السود تفاصيل قصة حب بليغ حمدى ووردة الجزائرية، تلك العلاقة التى استوحى منها بليغ جزءا كبيراً من مشاعره وأحاسيسه ونتج عنها فيض كبير من إبداعه، فيما غنته وردة وحتى فيما غناه غيرها من ألحانه.
قصة حب ملهمة لهذا العبقرى الذى لم يكن ليبدع كل هذا الإبداع العظيم إلا وهو يعيش حالة حب ومشاعر يترجمها فى نغمات وألحان وأغنيات عاشت وستعيش على مر العصور لأنها صنعت بمداد القلب وحنايا الروح.
كانت علاقة بليغ حمدى ووردة علاقة فريدة من نوعها، بدأت قبل أن يلتقيا واستمرت بعد انفصالها وعبرت المسافات والحدود وتحدت حتى الموت، وكأنها تلخصت فى كوبليه آخر من الأغنية يتساءل فيه الحبيبان: "وعملت إيه فينا السنين؟ فرّقتنا؟ لا.. غيّرتنا؟ لا.. ولا دوّبت فينا الحنين"
بدأت هذا العلاقة بهذا السحر الذى تسلل إلى قلب وردة، تلك الفتاة الجزائرية ذات الستة عشر عاماً حين استمعت وهى فى فرنسا حيث عاشت فترة طفولتها وجزء من صباها إلى أغنية "تخونوه" للفنان عبد الحليم حافظ من فيلم الوسادة الخالية، يومها كانت تشاهد الفيلم مع أسرتها في إحدى صالات السينما بفرنسا، وأعجبتها الأغنية لدرجة جعلتها تتعلق بملحنها دون أن تراه، وتمنت أن تلتقيه إذا سمحت الظروف لها بالسفر إلى مصر.
تحققت الأمنية وحانت لحظة اللقاء، حينما دُعيت وردة للحضور إلى مصر بعد أن تعاقدت على فيلم "ألمظ وعبدالحامولى"، فشعرت بالسعادة وكان أحد أسباب هذه السعادة أنها ستلتقي بليغ حمدي، ملحن أغنية "تخونوه".
يحكي الإعلامي الراحل وجدي الحكيم أن شرارة الحب انطلقت مع اللقاء الأول بين وردة وبليغ حمدي، عندما ذهب لتحفيظها أول لحن "يا نخلتين في العلالي"، وقال الحكيم إن بليغ أخبره أنه لأول مرة يهتز حين يرى امرأة، عندما سلّم على وردة.
وطبقاً لما رواه وجدي الحكيم، فإن بليغ اصطحبه هو ومجدي العمروسي كي يتقدم لخطبة وردة، ولكن والدها رفض استقبالهم على باب المنزل، ورغم رفض أسرة وردة زواجها من بليغ، ظل حبه لها مشتعلا، حتى بعدما عادت مع عائلتها للجزائر، وأصرّت أسرتها على زواجها من قريبها، وحتى بعدما أنجبت ابنيها وداد ورياض وابتعدت عن الفن، ومرّت عشر سنوات دون أمل.
بعد سنوات من ابتعاد وردة عن الفن، سافر عدد من الفنانين المصريين إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، فذهبت وردة للقائهم في الفندق، وكان من بين الحضور هدى سلطان ومحمد رشدي وبليغ حمدي، الذي أمسك بالعود وجاءته فكرة أغنية "العيون السود"، فكتب عدداً من أبياتها في هذا التوقيت، ووعدته وردة أن تغنيها إذا أكمل كتابتها وتلحينها، وبعدها بعام ونصف انفصلت وردة عن زوجها، وعادت إلى مصر وغنّت "العيون السود" في 1972، حيث أكمل كتابتها الشاعر محمد حمزة بأفكار بليغ، وقال عنها وجدي الحكيم أنها جسدت قصة حب وردة وبليغ وعبر فيها العاشق الولهان عن مشاعره.
وقيل إن بعض مقدمات الأغاني التي وضعها بليغ لأم كلثوم كانت رسائل غير مباشرة منه إلى حبيبته البعيدة، ومنها مقدمة أغنية بعيد عنك، والحب كلّه، وسيرة الحب، وأنساك، وأن أم كلثوم عندما علمت بالأمر قالت له مازحه "انت بتشتغّلني كوبري للبنت اللي بتحبها"
وبعدما عادت وردة إلى مصر، تُوجِّت قصة الحب بالزواج، الذى استمر 6 سنوات، وغنّت وردة أجمل أغانيها من ألحان بليغ، ومنها: العيون السود، وخلّيك هنا، وحكايتي مع الزمان، واشتروني، وغيرها.
ولكن بسبب الغيرة واعتياد وردة على الحياة الأسرية التي لم يعتدها بليغ، وقع الطلاق بينهما، ما تسبب في تدهور حالة بليغ الصحية والنفسية، حتى أنه كاد يُصاب بالاكتئاب، كما أصيبت وردة بعد الطلاق بانفجار الزائدة الدودية وكادت تفقد حياتها.
ولم ينقطع الود رغم الطلاق، فكتب العاشق الذي لم يفتر حبه يوما أغنية بودعك، تجسيدا لمشاعره بعد فراق وردة وطلب منها أثناء مكالمة تليفونية من فرنسا أن تغنّيها، لكنها تردّدت.
وفى حوار مع الفنان طارق فؤاد لليوم السابع كشف أنه غنى من ألحان وكلمات بليغ حمدى لأول مرة أثناء وجود بليغ فى الغربة بفرنسا وقت القضية الشهيرة التى كان متهما فيها ولم يكن يستطيع العودة، وكان متأثرا بعدم قدرته على الاحتفال بعيد ميلاد دلال حفيدة وردة الجزائرية وابنة ابنتها وداد، رغم أنهما كان منفصلان خلال هذه الفترة.
ورغم ذلك كتب بليغ أغنية ولحنها بمناسبة عيد ميلاد حفيدة وردة الجزائرية تجمع كلماتها بين التهنئة والتأثر بالغربة، وتقول كلمات الأغنية:" سنة حلوة يا دلال يا بنت بنت الغالية وبنت بنتى وداد، أنا بحلم إنى جتلك ومسكت العود غنتلك وغنت وردة عشانك غنوة لعيد الميلاد، أنا باحلم بالمحال أنا جايلك يادلال".
وظل بليغ يحب وردة إلى آخر يوم في حياته، حتى أن ابن شقيقه قال إنه كان يردد اسمها قبل وفاته في 1993.
وقال وجدي الحكيم، إن وردة ندمت على الانفصال عن بليغ، وقالت له: «تعاملي مع بليغ بعد انفصالنا خلاني ندمت على الانفصال، ولو كنت عرفت بليغ زي ما عرفته بعد الانفصال كانت الحياة استمرت بينا"
وغنّت وردة أغنية "بودعك" التي كانت آخر أغنية جمعتها مع بليغ، وبعد وفاته أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، وظلّت في كل لقاءاتها تتحدث عنه، إلى أن توفيت في عام 2013، بعد عشرين عاما من وفاته، ولكن ظل حبهما حياً فى كل الأغانى التى يرددها الملايين.