تبادر مصر دائما بتقديم الدعم الممكن للدول الشقيقة والصديقة خلال الأزمات الطارئة، وهو نهج يمثل في حد ذاته تأكيدًا إضافيًا على تمسك مصر بعمقها العربي، ودورها الإقليمي والدولي، وعن ترجيحها لغة التعاون والتضامن في علاقتها مع الدول المختلفة، بالشكل الذي يساهم إجمالًا في تقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات الدولية وتطويرها، وهو النهج الذي يحمل في الحالة العربية أهمية كبرى نظرًا لعمق العلاقات السياسية والشعبية التي تربط مصر بكل من ليبيا والمغرب.
وسلطت دراسة حديثة أعدها المرصد المصرى التابع للمركز المصرى للفكر والدراسات الضوء على المساعدات التي قدمتها مصر للأشقاء بعد تعرضها لحوادث أو كوارث طبيعية، وأكد الباحث محمد منصور الذى أعد الدراسة أن النهج المصري في هذا الصدد لا يرتبط فقط بالعوامل الإنسانية، بل أيضًا يتضمن بين ثناياه تأكيدًا مستمرًا على التمسك المصري بعمقها العربي ودورها التاريخي في قلب هذا العمق، ورغبتها الحثيثة في تطوير العمل العربي المشترك وإدامة حالة التضامن العربي – العربي، والأهم من ذلك كله الحفاظ على الدور التاريخي لمصر في محيطها الإقليمي، خاصة الجانب التنمويى والإغاثى من هذا الدور.
وأضافت الدراسة، أن مصر لم تتوقف يومًا عن مد أيدي الإغاثة والدعم والإسناد لمحيطها العربي خلال الأزمات والكوارث المختلفة، سواء عبر تسيير القوافل البرية والبحرية والجوية الحاملة للمساعدات الإنسانية، أو بإرسال فرق الإغاثة وإعادة الإعمار المزودة بأحدث المعدات والتجهيزات الفنية، لنجدة الشعوب الشقيقة والصديقة، خلال أزماتها الطارئة سواء كانت هذه الأزمات بفعل عوامل طبيعية، أو نتيجة للتأثيرات المصاحبة للنزاعات الداخلية في هذه الدولة أو تلك.
وأشارت الدراسة إلى أنه كانت هناك أمثلة عديدة تؤكد حرص مصر على القيام بكافة الأدوار الإغاثية الممكنة تجاه الدول الشقيقة والصديقة، بغض النظر عن أية تباينات سياسية أو أي اعتبارات أخرى، ولعل تدفق المساعدات الطبية المصرية على الدول العربية والأفريقية خلال فترة تفشي جائحة كورونا، ودخول الفرق الهندسية إلى قطاع غزة في يونيو 2021، للبدء في إعادة إعمار المناطق المدمرة في القطاع بفعل عمليات القصف الجوي الإسرائيلي، الذي تمكنت الجهود المصرية من إيقافها، من أبرز الأمثلة على النهج المصري في هذا الصدد.
وأوضحت الدراسة أن مصر بادرت أوائل العام الجاري، بإرسال قوافل بحرية وجوية عدة نحو تركيا وسوريا لتقديم التضامن والدعم مع الحكومة والشعب في كلتا الدولتين، بعد كارثة سلسلة الزلازل المدمرة التي ضربت النطاق الجنوبي التركي والشمال السوري أوائل فبراير الماضي، وكذا أرسلت عدة فرق للإغاثة والإنقاذ، منها ما وصل إلى نطاقات بعيدة مثل منطقة جنديرس شمال غرب محافظة حلب السورية، ومع بدء المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم، قامت القوات البحرية والجوية المصرية بتسيير عدة قوافل من المساعدات الإغاثية والطبية إلى ميناء بورسودان.
ولفتت الدراسة إلى أن البحرية المصرية أرسلت سفينة إمداد محملة بنحو 200 طن من المساعدات الإغاثية مقدمة من جامعة الدول العربية، في حين عززت مصر المستشفى العسكري الميداني المصري في العاصمة اللبنانية بيروت، عبر إرسال طائرة نقل عسكرية محملة بأعداد إضافية من الأطقم الطبية بالإضافة إلى مساعدات دوائية ولوجيستية، لخدمة المستشفى الذي بدأ تشغيله في أغسطس 2020، وقدم منذ ذلك الوقت الخدمات الطبية لمئات الأشخاص، بما في ذلك المصابين جراء حادث انفجار مرفأ بيروت.
وسلطت الدراسة الضوء على رد الفعل المصري إزاء كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق عدة بالمملكة المغربية، وكذا إعصار دانيال، الذي ضرب مناطق الجبل الأخضر في ليبيا، وهما كارثتان كبيرتان بكافة المقاييس، لدرجة اقتضت أن تكون ردود الفعل الإقليمية والدولية حيالهما سريعة لأقصى حد، وهو ما اتسمت به دومًا ردود الفعل المصري إزاء كوارث مماثلة، حيث بادرت الرئاسة المصرية بشكل فوري بإصدار توجيهات للقوات المسلحة المصرية، بالبدء في تنفيذ خطة متعدد المحاور لدعم السلطات الليبية والمغربية في مواجهة التحديات اللوجيستية والإغاثية الكبيرة التي ترتبت على الكارثتين.
وتوجهت مصر بوفد عسكري مصري رفيع المستوى، برئاسة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق أسامة عسكر، إلى المنطقة الشرقية في ليبيا للاطلاع عن قرب عن الوضع الميداني الحالي هناك، ونوعية التجهيزات والمساعدات التي تحتاجها السلطات الليبية، من أجل محاصرة آثار كارثة إعصار دانيال والسيول التي صاحبته. من ثم وجهت القيادة المصرية بتنفيذ سلسلة من الإجراءات العاجلة لدعم السلطات المحلية في المنطقة الشرقية الليبية، بعد أن اتضح حجم الدمار الذي أصاب عدة مدن ليبية وعلى رأسها مدينة درنة.
وبدأت فى التجهيز العاجل لمعسكرات إيواء تابعة للمنطقة الغربية العسكرية، بحيث تكون بمثابة مقرات مؤقتة لإقامة المتضررين من السيول والانهيارات الأرضية، التي صاحبت إعصار “دانيال”. كذلك تم الدفع جوًا وبرًا بعدد من الأطقم الطبية التابعة للقوات المسلحة المصرية، بالإضافة لكميات من الإمدادات الطبية والمواد الغذائية إلى الأراضي الليبية، بما في ذلك الفرق الهندسية والإغاثية المتخصصة في مهام البحث والإنقاذ، سواء التابعة للمنطقة العسكرية الغربية، أو التابعة للهلال الأحمر المصري،وتم تجهيز هذه الفرق بأعداد كبيرة من التجهيزات الفنية واللوجيستية بما في ذلك 50 عربة إسعاف، و150 شاحنة حاويات محملة بتجهيزات خاصة بالمستشفيات الميدانية والإمدادات الطبية والاحتياجات الإدارية والمساعدات والمؤن، بجانب 120 آلية هندسية متنوعة، تشمل الجرافات والأوناش الثقيلة، وغيرها من المعدات الهندسية اللازمة للتعامل مع الأنقاض.
بحسب الدراسة لم تكتف مصر بهذه التجهيزات، بل أدخلت إلى الجهود الإغاثية وسائط جوية وبحرية نوعية، حيث وضعت تحت تصرف الأطقم الإغاثية في ليبيا والمغرب، عشر مروحيات عسكرية متخصصة في مهام النقل التكتيكي والإنقاذ والبحث، كي تستخدم في إيصال المساعدات وفرق الإنقاذ إلى المناطق التي يتعذر الوصول إليها عبر الطريق البري. وعلى المستوى البحري، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتخصيص إحدى أهم القطع البحرية المصرية لدعم الجهود الإغاثية التي تقوم بها مصر في شرق ليبيا، وهي سفينة الهجوم البرمائي من الفئة ميسترال، وهي إحدى سفينتين من هذا النوع تمتلكهما البحرية المصرية، حيث تضمن التوجيه الرئاسي بتجهيز هذه السفينة للعمل كمستشفى ميداني، وإرسالها إلى السواحل الليبية لتقديم الدعم اللوجيستي والمساهمة في عمليات الإغاثة.
ووفقا للدراسة ، تأتي أهمية هذه الفئة من السفن في تعدّد المهام التي تستطيع القيام بها، ومن بينها عمليات الإغاثة وإدارة الكوارث، حيث تتضمن السفينة الواحدة من هذه الفئة مستشفى تتعدى مساحته 700 متر مربع، يشمل 20 غرفة، وأقسامًا متنوّعة، وغرفتيّ عمليات كاملتيّ التجهيز، بجانب 70 سريرًا طبيًا، مضافًا إليها حوالي 50 سريرًا آخر يتم تخزينها في مخازن خاصة للاستخدام في حالات الطوارئ. كما تمتلك سفن هذه الفئة القدرة على البقاء في أعالي البحار لمدة تصل إلى 120 يومًا، بمدى أقصى يتراوح بين عشرة آلاف و19 ألف كيلومتر، بإمكانات تجعلها تجمع ما بين الأدوار القيادية والهجومية واللوجيستية والإغاثية كقاعدة بحرية متكاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة