الخرائط لا تكذب والتحولات لا تتوقف من حولنا، ومصر فى قلب العواصف والتحولات طوال 12 عاما، وأكثر، قبلها كانت مطالب التغيير وأسئلة المستقبل مطروحة والواقع يعجز عن الإجابة عنها. ومن قراءة تجربة 12 عاما، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يتأخر عن التحرك لمواجهة خطر واجه الدولة والمجتمع، تمثل فى تنظيم قفز على السلطة مستغلا ارتباكا وترددا وتشويشا عانت منه التيارات السياسية التى انقسمت بين أحزاب عاجزة أو نخبة منقسمة مترددة بعضهم ساعد التنظيم وتحالف معه رهانا على توازن وشراكة تغير واقع ما قبل يناير.
ومن يريد أن يقرأ حجم ما تغير فى شكل ومضمون الواقع المصرى، وما كان مطروحا قبلها فى سنوات التساؤل، ثم أعوام السعى للتغيير، وتأمل خريطة الداخل والإقليم والعالم، يكشف حجم ما تحقق فى بلد كبير ارتفع عدد سكانه من 84 مليونا عام 2014، ووصل إلى أكثر من 105 ملايين الآن، مع 9 ملايين لاجئ من الدول التى دمرها الاحتراب، وفقد أهلها الأمان والاستقرار.
عندما كان وزيرا للدفاع، لبّى السيسى نداء الشعب الذى خرج فى 30 يونيو، بشجاعة، وكان يمكنه أن يبقى فى مكانه ويصعد فى نظام بدا واضحا أنه بصدد إعادة تغيير الشكل والمضمون للدولة والمجتمع ويدخلها فى دهاليز ومتاهات دخلتها دول من حولنا ولم تخرج منها، اتخذ القرار مستعدا لدفع ثمن الشجاعة فى مواجهة التنظيم، وحلفائه من الإرهابيين الذين كانوا ينتشرون انتظارا لساعة صفر، وقعت بالفعل وواجه المصريون إرهابا دمر دولا وأدخلها فى الفوضى.
تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، المسؤولية، ثقة فى قدرة الشعب المصرى على التحمل والصبر، وكان عليه أن يحل المعادلة الصعبة، حيث لا يمكن تأجيل ملف لصالح آخر، الإرهاب مدعوم بتمويل ضخم، ومنصات تدعمه وتخدمه بالتشكيك والدعاية السوداء، مع لجان إلكترونية تبث الشائعات وتراهن على إسقاط الروح المعنوية للمواطن. اقتصاديا الاحتياطى النقدى تآكل، والبنية الأساسية متهالكة، وتدهور الصحة والتعليم، وتهديدات مثل فيروس سى والفشل الكلوى والنقل والطرق، والعشوائيات وانقطاع الخدمات، والعزلة الدولية، والإقليمية، لم يكن ممكنا إبقاء الدولة المصرية على حالها، بالمزيد من المسكنات، لكن دفعها للأمام بقفزات.
بإخلاص أعلن الرئيس السيسى البدء فى بناء القدرات الداخلية وإصلاح الداخل اقتصاديا واجتماعيا، واستعادة التأثير الإقليمى، واختار مع المصريين الطريق الأصعب، داخليا وخارجيا، وحل المعادلة الصعبة، لم يقدم وعودا بالرخاء، قدم تشخيصا أمينا للوضع داخليا وخارجيا، وهو تشخيص بدا وقتها صادما، لكنه أعلن أنه يتحمل المسؤولية ويثق فى قدرة الشعب المصرى، لم يلتفت لتحذيرات من تراجع شعبيته، أو ضعف الإمكانيات، بدأ ببناء محطات الكهرباء العملاقة، توازيا مع شبكة طرق عملاقة وكبارى ومحاور وأنفاق، ومدن صناعية وأخرى سكنية من الجيل الرابع «العلمين الجديدة، المنصورة الجديدة، دمياط، أسيوط، المنيا الجديدة»، وغيرها تستوعب ملايين، وتمتص الزيادة السكانية، وتتضمن أنشطة زراعية وصناعية وتجارية واجتماعية، مع إسكان اجتماعى لمحدودى الدخل.
واجه المصريون إرهابا مدعوما نجح فى إسقاط دول، وهزموه، ونجحت استراتيجية المبادرات فى مواجهة مشكلات مزمنة، وتم علاج ملايين من فيروس الكبد الوبائى، ومبادرات «100 مليون صحة»، وإنهاء قوائم الانتظار للعمليات الخطرة، والكشف على سرطان الثدى للنساء، وعلاج التقزم والعيون والسمع للأطفال، مع البدء فى التأمين الصحى الشامل بمحافظات القناة والصعيد تمهيدا لاكتمالها خلال سنوات.
وبالتوازى معها كانت عملية إنهاء عار العشوائيات ونقل سكانها إلى الأسمرات 1و2، وغيط العنب، والسيدة زينب، والمدابغ، مع توسيع ملف الحماية والاجتماعية، وصرف معاش «تكافل وكرامة» للأسر الفقيرة.
تم إنشاء شبكة طرق ومحاور وكبارى عملاقة، بناء على تخطيط دقيق، وتشخيص لمشكلات النقل، والاحتياجات المستقبلية من تجارة وصناعة، وانطلقت إلى عاصمة إدارية جديدة ذات بنية تقنية ومعلوماتية عالية الدقة، توازيا مع تطوير القاهرة التاريخية، والمتاحف الجديدة، ومحاور لربط المتاحف بحركة السياحة، وموانئ وقطارات خفيفة للركاب والبضائع، تربط المدن السياحية.
ثم تم إعلان مبادرة «حياة كريمة»، التى اعتبرتها الأمم المتحدة أفضل الممارسات الدولية توافقا مع كل أهداف التنمية المستدامة، وتطوير شامل للريف فى أكثر من 4500 قرية خلال 3 مراحل، بتكلفة كان مقررا لها 700 مليار جنيه، ويتوقع أن تتجاوز التريليون جنيه، ليكون تغييرا حقيقيا لأكثر من نصف سكان مصر، مكونات البنية التحتية من مياه وكهرباء وغاز وصرف صحى وتبطين الترع ورصف الطرق وخدمات الصحة والتعليم، وتغيير حياتهم جذريا، ليصبحوا شركاء فى عملية التنمية، ويشعروا بثمار نتائج عملهم.
فى الزراعة يأتى مشروع مستقبل مصر وزراعة 288 ألف فدان خلال 3 سنوات، تصل المساحة خلال عامين إلى 700 ألف فدان، ضمن «الدلتا الجديدة» بمساحة 2.2 مليون فدان، ومشروع تنمية جنوب الوادى فى توشكى بمساحة 1.1 مليون فدان، وشمال ووسط سيناء 456 ألف فدان، والريف الجديد 1.5 مليون فدان، والصعيد والوادى الجديد بمساحة 650 ألف فدان، وهو ما يمثل إضافة تصل إلى ربع المساحة التى تكونت على مر العصر الحديث وإضافة أفقية للجغرافيا، بنحو 7 % تضاف لمثلها على مدى عقود.
كل ما يجرى على أرض مصر من تغيير شامل، هو نتاج شجاعة وجهد المصريين وصبرهم، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى راهن وكسب الرهان، وهو ما يضاعف من مخزون الثقة، التى توحد المصريين، ومواجهة المستقبل بشجاعة وإخلاص تمكن من حل ومواجهة مشكلات الاقتصاد التى تكونت لأسباب أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، التى انعكست تأثيراتها على العالم كله.
وبلغت الدولة المصرية، اليوم، درجة من اللياقة تضاعف من حجم الثقة والاطمئنان، وهى اليوم أكثر استقرارا فى الطريق لبناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، التى وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى أنها «تمتلك القدرات الشاملة اقتصاديا، وسياسيا، واجتماعيا، وتعلى مفهوم المواطنة وقبول الآخر، وتسهم فى تنمية سياسية تحقق حيوية للمجتمع، تقوم على مفاهيم العدالة الاجتماعية والكرامة والإنسانية».
وهى مطالب تأجلت أثناء مواجهة تحديات وجودية، من إرهاب وغيره، وأصبح ضروريا بناء حياة سياسية تحتمل اتساعا فى المجال العام، وتنوعا تطلبه مرحلة جديدة، يمكن من خلالها استيعاب الجميع، وقد فتحت الدعوة للحوار الوطنى الباب لمناقشات وآراء متنوعة، مما يعد نقطة إيجابية، وطريقا لبناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، لتكون أرضية يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، واستيعاب الخلافات بين التيارات السياسية والحزبية، خاصة وقد تبعت دعوة الرئيس للحوار الوطنى، خطوات تؤكد صدق النية والرغبة فى الحوار بشكل حاسم، والاستفادة من تجربة 12 عاما جرت فيها تحولات كثيرة محليا وإقليميا ودوليا، وهناك أجيال كبرت ونضجت خلال هذه الفترة، بما أضيف لخبراتهم وحياتهم العملية.
هناك اتجاه لرسم خارطة جديدة للعمل السياسى، واستجابة من الرئيس لمطالب الحوار فى الإشراف القضائى وتعديلات قوانين الوصاية والمعلومات ومفوضية منع التمييز، والتى تعالج اختلالات فيما يتعلق بتكافؤ الفرص، كما وعد الرئيس بالاستجابة لكل مطالب تتماشى مع صلاحياته الدستورية والقانونية، وهناك مؤشرات على أن الدولة تتيح المزيد من التنوع والانفتاح، وهى مرحلة يستحقها المصريون بجدارة.