يشير الأمن السيبراني إلى الآليات التي تضمن سلامة البيئة الرقمية، المادية وغير المادية، من التهديدات، أو الأخطار، أو الهجمات، أو صور القرصنة التي تستهدف الحصول على البيانات والمعلومات، أو إتلافها، أو تغييرها، أو ابتزاز أصحابها، أو استخدامها بطرائق غير قانونية؛ بغية الحصول على مكتسبات مادية، أو سياسية، أو اجتماعية.
وقد شهد العالم في الآونة الأخيرة موجة عارمة من اجتياح الخصوصية على مستوى المؤسسات والأفراد؛ حيث اخترقت الأجهزة الأمنية، وانتهكت خصوصية الأشخاص، وكثرت الابتزازات، وتنامت أساليب الاحتيال، وتعاظمت الجرائم الرقمية، وترتب عل هذه الجرائم وعي العالم بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية وتقنية لمقاومة الاستخدام غير الأخلاقي للشبكة الدولية للمعلومات؛ ليسلم الأفراد والمؤسسات والدول من خطر الفضاء السيبراني.
ويعد الأمن السيبراني مجالًا من مجالات علوم أمن المعلومات؛ حيث يتعلق بالإنترنت والبيانات المرتبطة به، ومن ثم يهتم بحماية ملفات وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات الشخصية؛ لذا يؤدي مهمة الحماية للفضاء الرقمي ويمنع الهجمات الرقمية التي قد تحدث، كما يعمل على تطبيق القوانين والتشريعات على التجاوزات الرقمية وانتهاكات الخصوصية؛ بينما يقوم الأمن المعلومة في شموله على بحماية المعلومات بنوعيها الرقمي والورقي إذ يمنع الوصول غير المصرح به الذي قد يؤدي إما إلى تعديل أو حذف بما يخل بالأصول المعلوماتية، ومن ثم يسعى إلى تحقيق السرية والسلامة والتوافر.
وتتعدد أنماط مرتكبي الجرائم السيبرانية؛ فمنهم الهواة الذين يمارسون تلك الأفعال بغرض التسلية. ومنهم القراصنة، وفي مقدمتهم الهاكر الذي يكسرون الحواجز الأمنية، ويخترقون الأنظمة الرقمية بهدف الفضول. ومنهم الكراكر الذي يلحقون الضرر المباشر بالبيانات والمعلومات، إما بسرقتها أو تدميرها من خلال تسللهم لأنظمة المعالجة، وهناك نمط مجرم من مرتكبي الجرائم السيبرانية وهم المتطرفون الذين ينشرون معتقداتهم وأفكارهم الهدامة في المجتمعات عبر البيئة الافتراضية، بالإضافة لأعمال الجاسوسية التي تسعى الدول من خلالها لتحقيق مكاسب سياسية، ناهيك عن المافيا أصحاب الجريمة المنظمة الذين يوظفون التقنية لأعمالهم غير النظيفة، وهناك أصحاب الفكر غير السوي الذين يستهدفون تدمير الأنظمة لأسباب نفسية.
وتكمن أهمية الأمن السيبراني في الوقوف على جاهزية الأنظمة الرقمية بما تحمله من بيانات ومعلومات، وما تقدمه من خدمات، وإتاحتها للمؤسسة أو من يتعامل معها بصورة مشروعة، وتضمن في ذات الوقت سلامة البيانات والمعلومات وحمايتها من الهجمات التي تستهدف سرقتها أو تزييفها أو تدميرها، ومن ثم تتيح الولوج إليها لمن يسمح لهم دون غيرهم، وفق معايير الأمان المصممة لذلك.
وفي هذا الصدد تأتي حماية النظم السياسية في المقام الأول، فحماية الوثائق والاتفاقيات السياسية للدولة، والمحافظة على سريتها، ومنع نشرها من الأمور التي تتصدر مسئوليات الأمن السيبراني، وهناك شواهد أكدت سعي بعض المغرضين لانتهاك خصوصية الدول؛ بغية التأثير على الحكومات أو النيل من أفراد، أو زعزعة الاستقرار المجتمعي، أو بث فتن لتأجيج حركات احتجاجية، أو الميل تجاه أيدولوجيات تعمل ضد سياسة الدول ونهضتها في مجالاتها المختلفة.
ونظرًا للارتباط الوثيق بين التقنية الرقمية ومتغيرات الاقتصاد في العالم بأسره؛ فقد أضحى الاهتمام بالأمن السيبراني ضرورة قصوى؛ حيث تتطلب التنمية الاقتصادية نظما رقمية لحمايتها من السرقات، أو الاختراقات، أو التخريب، أو أية صورة من صور التهديد؛ بالإضافة إلى أن خصائص العصر الحالي استلزمت التعاملات الرقمية في التحويلات المالية عبر النظم المصرفية بتنوعاتها، ومن ثم صار التضافر الدولي أمرًا مهمًا في مواجهة خطر الجرائم السيبرانية المنظمة والمدعومة.
وحري بالذكر أن مجتمعات وشعوب العالم ارتبطت ارتباطا وثيقًا بالعالم الافتراضي، وصار هذا العالم يشكل أهمية للفرد على كافة المستويات المعيشية والعلمية والعملية، ناهيك عن التواصل الفاعل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل ركزت التهديدات السيبرانية على اختراق وإفساد المنظومة القيمية التي تمتلكها المجتمعات بغرض تفكيكها وتهديد استقرارها والقضاء على الأخلاقيات التي تحافظ على المجتمعات من الانهيار، بل وتهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهذا ما يستلزم اليقظة تجاه مخاطر الفضاء السيبراني، بمزيد من التوعية لدى فئة الشباب على وجه الخصوص.
وقد صار المجال العسكري متقدمًا بفضل التقدم التقني الذي أتاح التبادل المعلوماتي بين القطاعات العسكرية بسهولة ويسر، ودعم عملية صناعة واتخاذ القرارات نتيجة للتوافر المعلوماتي الموثوق، وأحدث نهضة في المجال النووي العسكري الذي فرض هيمنة وقوة منقطعة النظير لدول العالم المتقدمة والكبرى، وهذا ما عظم من خطورة الهجمات السيبرانية والاختراقات التي تطال الأنظمة العسكرية، مما أكد أهمية الأمن السيبراني للحفاظ على وحدة وقوة الكيان والبنيان العسكري في العالم بأسره.
وتعمل الدولة المصرية في الآونة الأخيرة على توفير بيئة رقمية آمنة تسهم في الحد من التهديدات والمخاطر السيبرانية؛ حيث تهتم بصورة ممنهجة بإكساب الفرد المهارات التقنية المرتبطة بالأمن السيبراني؛ فقد أنشأت وحدات تقنية تسهم في تأهيل الفرد؛ بالإضافة إلى إتاحة الابتكار في صناعة الأمن السيبراني ومن ثم يعد ذلك استثمارًا في المجال التقني بكامله، كما تم تدشين الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني والتي أطلقها المجلس الأعلى للأمن السيبراني؛ بغية تقديم الخدمات الآمنة ورفع مستوى الوعي بأهمية الأمن السيبراني، وتجنب المخاطر جراء تهديدات الهجمات السيبرانية، وهذا ما ساهم بصورة جادة في دعم التحول الرقمي بمؤسسات الدولة المختلفة.
وفي ضوء توجيهات الرئيس انضمت الدولة المصرية لاتفاقية مكافحة جرائم الإنترنت والإرهاب الإلكتروني العربية، والتي أسس فيها المجلس الأعلى للأمن السيبراني، الذي استهدف تأمين المعلومات والحد من سُبل الاختراق لخطورة ذلك على الأمن القومي، هذا وقد تم إنشاء مركز سيرت المصري الذي يقدم دعمًا مباشرًا للقطاعات التي تعمل بالنظام التقني وفي مقدمتها النظم المصرفية والحكومية؛ حيث مساعدتها على مواجهة التهديدات السيبرانية المتنوعة والمتجددة.
وفي ذات السياق أطلقت الدولة المصرية استراتيجية بعنوان: الأمن السيبراني آفاق وتحديات، على هامش مؤتمر تطوير الصناعة؛ حيث عنيت بآليات تأمين البنية التحتية الرقمية وتطبيقات التحكم الصناعي وتأمين الخدمات الرقمية والشبكات، وتوالت الجهود البناءة؛ فقد تم إطلاق القمر الصناعي طيبة (1) عام (2019)، بغرض حماية الأمن القومي الإلكتروني؛ ليعمل على تغطية الدولة كاملة وبعض دول شمال أفريقيا ودول حوض النيل، ويحقق التأمين الشامل وتقديم الخدمة الرقمية لكافة الأغراض التجارية الحكومية.
والدولة المصرية لم تأل جهدًا في استخدام القوة الصلبة؛ حيث التصدي بأدواتها وأجهزتها الفاعلة في مواجهة وردع الأعمال التخريبية من قطع لكابلات الاتصالات أو تدمير لأنظمة رقمية أو أقمار صناعية، كما استخدمت القوة الناعمة والمتمثلة في توظيف تأثير قدراتها الرقمية على المهددات السيبرانية؛ فهناك نظريات التشويش وتغيير مسارات القوة التي توظف في الحد من أثار التهديدات الرقمية.
ووجهت القيادة السياسية إلى تفعيل مجالات الشراكة بين القطاعين العام والخاص بغية تطوير منتجات وأدوات الأمن السيبراني، ومن ثم العمل بصورة مبتكرة على تعزيز القدرات السيبرانية للدولة، كما أكدت على ضرورة التعاون المشترك مع الشركات والجامعات والمؤسسات العالمية صاحبة الريادة في مجال الأمن السيبراني؛ لتصبح الدولة صاحبة سيادة مطلقة في إدارة شئونها المختلفة.
ويقع على عاتق المؤسسة التعليمية في مراحلها المختلفة الاهتمام بتوعية منتسبيها لتعضيد ثقافة الأمن السيبراني، حتى يتجنب المتعلم الوقوع فريسة التهديدات أو ضحية للتنمر الرقمي بأشكاله المختلفة، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب أن يصل مستوى الوعي لحد المسئولية التي يكافح ويشارك فيها الفرد الجرائم السيبرانية، بل ويصبح فاعلًا ومتواصلًا مع المختصين بالأمن السيبراني لمطالعة المستجدات.
وينبغي أن يتقن المتعلمون التعامل مع أنظمة التصدي للرسائل الاقتحامية وغير المرغوب فيها وفق المعايير المتبعة للأمن السيبراني، وأن يحافظوا على كلمات المرور ويتمكنوا من تغييرها لتأكيد تأمين حساباتهم الشخصية، وتعريفهم بالمواقع الموثقة التي تقدم من خلالها البيانات والمعلومات الشخصية دون غيرها من المواقع غير الموثوق فيها، وتدريبهم على طرائق النسخ الاحتياطي وأهميته في منع الهجمات السيبرانية وتحقيق عنصر الأمان عبر الشبكة الدولية؛ لذا يجب أن تتضمن الأنشطة التعليمية تلك المهام في ضوء مناهج تعليمية تساعد على نشر الثقافة المرتبطة بالأمن السيبراني.
حفظ الله بلادنا وشبابها وقيادتها السياسية من كل مكروه وسوء.