بعد يوم واحد من ذكرى وفاة نجله توفى المليادير المصري محمد الفايد عن عمر ناهز الرابعة والتسعين عامًا ، وقد احتل محمد الفايد المركز الثاني عشر للأثرياء العرب لعام ٢٠٢٣، بتصنيف فوربس والمركز ١٥١٦ على مستوى أثرياء العالم ، أعتقد أن هذا الرجل هو تجسيدا واضحا للذكاء الشديد والطموح الذي لا نهاية له إلا الموت ، وقدرته الكبيرة على. التحدي ، وقد وصل إلى محطته الأخيرة وقد أنهكته صراعات استمرت طوال عمره الذي جاوز التسعين عامًا ، ولم يوقفه سوى تسليمه بأن عماد أكبر أبناءه قد توفي بالفعل ، وانه سيخرج مهزوما من أي صدامات داخل الإمبراطورية البريطانية التي ظل يحاول الانتماء إليها منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى وفاته دون أن يحقق نجاحًا في هذه المعركة الخاسرة.
على الرغم من أن محمد الفايد نجح في امتلاك أكبر وأشهر وأعرق المحلات الضخمة في لندن وهو ( هارودز ) Harrods ، الذي يعود تأسيسه إلى عام ١٨٤٩ ، كما نجح في امتلاك أحد النوادي الكبرى الذي دعمه حتى صعد به إلى واحد من أكبر أندية الدوري الإنجليزي وهو نادي فولهام ، وعلى الرغم من مساهماته الخيرية التي قام بها في إنجلترا ، لكن كل ذلك لم يشفع له في الحصول على الجنسية البريطانية التي يحصل عليها الكثيرون الذين لا يملكون أيان مما يملكه الفايد ، ولعل هذا قد أثار علامات استفهام كثيرة ظلت تدور حوله طوال حياته وربما يتم الكشف عنها بعد وفاته .
لقد أرجع البعض عدم حصول الفايد على الجنسية البريطانية إلى تقرير وزارة التجارة والصناعة الذي أدان الفايد وأسرته واتهمهم بالكذب حول خلفيتهم الاجتماعية ومصدر ثروتهم، وهو ما دفعه للتسبب في استقالة وزيرين من حزب المحافظين ، صرح بأنه دفع لهما رشوة مقابل تقديم أسئلة لمجلس العموم تخدم مصالحه ، وتسبب في استقالة وزير ثالث هو جوناثان إيتكن عندما صرح الفايد انه أقام في فندق الريتز بباريس ، وقد كان ملكًا له ، وانتهى الحال بهذا الوزير إلى السجن .
لقد خانه ذكاؤه ، وجن جنونه ، وشعر بالإهانة البالغة من الإنجليز الذين ظلوا رافضين لمنحه جنسيتهم ، ورغم ذلك ظل هو متطلعا للإنتماء إليهم ، كما ظل منزوع الجذور ، فعلى الرغم من كل ما حققه في عالم المال والشهرة ، لم يكن مصريا سوى بالاسم فقط ، وعلى الرغم من كل ثروته لم يتذكر مصر سوى بمركز لعلاج سرطان الأطفال ( دار صفية الفايد ) بمحرم بك بالإسكندرية لرعاية مرضى السرطان ، وقد أقامه لأسباب تخص شقيقته وليس من أجل مصر، ولم نسمع أبدا انه زار مصر ، أو حتى علق على أي شيء بها ، وبالتالي هو يختلف كثيرا عن مصريين هاجروا واغتربوا نجحوا ولمعت نجومهم لكنهم ظلوا على تواصل بهذا البلد ، وظلوا عاشقين لترابه ، وبالتالي ظلت جذورهم ممتدة في أرض أقدم الحضارات وأكثرها ثراء .
لقد رحل محمد الفايد بعد صراع مع المرض والحياة والناس والحكومات ، لكنه رحل دون أثر ودون تأثر سوى بحكمة المولى عز وجل في حتمية الموت وعظته وفلسفته ، التي يغفل عنها كثيرون ، على الرغم من كونها الحقيقة الأكيدة في هذا العالم ، ..رحمه الله .