أدت حالة عدم الاستقرار السياسى والفراغ الأمنى التى أعقبت ثورة يناير، 2011 إلى تفاقم التحديات الاقتصادية التى عانت منها الدولة المصرية على مدار سنوات سابقة، نتيجة غياب التخطيط الاستراتيجى والإرادة السياسية وفقا لنهج شامل متعدد الأبعاد، يقود كافة قطاعات الدولة نحو هدف تعزيز مبدأ "مصر أولا".
لذا وفق فعاليات مؤتمر حكاية وطن بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، تم تناول قصة نجاح الاقتصاد، حيث كانت الفترة السابقة لعام 2014 مليئة بالتحديات التى أنهكت مؤسسات الدولة وتسببت فى الشلل التام للاقتصاد المصرى فى كافة المجالات، على خلفية ارتفاع فاتورة دعم الطاقة، وأزمة شح العملات الأجنبية نتيجة استنزاف الاحتياطى النقدى الذى تراجع حتى بلغ 14.9 مليار دولار فى عام /2012، 2013، وارتفاع عجز بالموازنة العامة للدولة، فضلا عن زيادة معدلات التضخم، واستمرار عجز ميزان المدفوعات نتيجة تراجع حصيلة الصادرات المصرية التى فقدت جزء من قدراتها التنافسية، مقابل ارتفاع قيمة الواردات التى بلغت -على سبيل المثال- حوالى 54 مليار دولار عام /2010، 2011 فيما وصلت قيمة الصادرات 22 مليار دولار.
بالإضافة إلى تدنى مساهمة القطاع الخاص فى الاقتصاد، كما تراجعت معدلات الاستثمار بنسبة ٪2.4 فى الفترة بين عامى /2011 2012 و/2013، 2014 علاوة على تهالك البنية التحتية بمصر بشكل كامل بسبب إهمال تنميتها لسنوات.
كما تراجع معدلات النمو إلى، %1.8 إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها عند.%13.15 وبذلك؛ أيقنت القيادة السياسية أن استعادة الاستقرار السياسى لن يكتمل بدون اقتصاد قوى ومستدام، لذا فقد ارتكزت الإدارة المصرية فى إدارة ملف الاقتصاد على استراتيجية متعددة الأبعاد تجمع ما بين احتواء التحديات التى شهدها الاقتصاد المصرى قبل عام، 2014 والتخطيط لإجراء إصلاح شامل ومستدام ) رؤية مصر 2030(، مع العمل لجذب المزيد من الاستثمار من خلال إعادة هيكلية وتطوير البينة التحتية والنهوض بالقطاعى الصناعة والتجارة، بما يحقق هدف الاكتفاء الذاتى، وتوفير النقد الأجنبى، وتعزيز القيمة فى الاقتصاد المصرى.
لهذه الأسس تمكن الاقتصاد المصرى من تحقيق معدلات نمو أفضل؛ حيث بلغ خلال العام المالى /2014 2015 حتى العام المالى /2021 2022 نحو %6.6 وهو ما يعد أعلى المستويات المسجلة، مقارنة حيث بلغ معدل النمو فى عام /2010 2011 نحو.%1.8.
أيضا استطاعت الحكومة المصرية خفض معدلات الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تقدر بنحو %15 خلال الفترة )2022-2016(.
• فيما بلغ إجمالى الصادرات السلعية المصرية فى عام 2015 حوالى 18.6 مليار دولار، كما واصلت الارتفاع مع نهاية عام 2021 لتصل إلى 32.3 مليار دولار بنسبة زيادة وصلت نحو.%73.6 كما ساهمت هذه المؤشرات الإيجابية فى إصلاح الخلل فى الميزان التجارى لمصر والذى بلغ فى نهاية عام 2021 حوالى 46.392 مليار دولار مقارنةبـ53.4 مليار دولار فى عام.2014
• بالإضافة إلى العمل على استعادة قطاع الصناعة مكانته من خلال تبنى جملة من الإجراءات التحفيزية، مثل: إقامة 17 مجمعا صناعيا بـ15 محافظة بتكلفة استثمارية إجمالية بلغت 10 مليارات جنيه، وإجمالي وحدات صناعية يبلغ عددها 5046 وحدة توفر نحو 48 ألف فرصة عمل مباشرة.
لهذا النهج اصبح الاقتصاد قادر على الاستجابة المرنة للأزمات، خلال أزمة كورونا وحتى الحرب الروسية-الأوكرانية، والتى انعكست تبعاتها على الدولة المصرية بسبب العولمة الاقتصادية والانفتاح التجارى.
المحور الأول- السياسات الاقتصادية الكلية:
استندت رؤية الدولة المصرية فى عملية الإصلاح الاقتصادى الشامل على التخطيط الفعال مسار التنمية فى البلاد، من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى عبر تحوله من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على التكنولوجيا والابتكار والمعرفة، بجانب بناء هيكل صناعى ذو قیمة مضافة مع صناعة متنوع ومتوازنة.
وعليه فقد استهدف برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل بالأساس تطوير وتحسين السياسات النقدية والمالية، بالإضافة إلى تنبى سياسات تحفيزية تساهم فى جذب المزيد من الاستثمارات، مرتكزة على قوانين وتشريعات متوافقة مع تطلعات الدولة المصرية الرامية لزيادة معدلات النمو الاقتصادى، لذا لم تغفل الدولة دور القطاع الخاص فى تعزيز النشاط الاقتصادى، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
إطلاق رؤية مصر:2030
• ارتكزت الدولة المصرية فى إدارة ملف الاقتصاد على تنفيذ إصلاح شامل على المدى الطويل لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة فى كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة، وذلك من خلال إطلاق رؤية مصر، 2030 وهى أجندة وطنية تستند على مبادئ "التنمية المستدامة الشاملة" و"التنمية الإقليمية المتوازنة"، وتعكس الأبعاد الثالثة للتنمية المستدامة وهم: البعد الاقتصادى، والبعد الاجتماعى، والبعد البيئى.
• استهدفت الدولة المصرية من خلال هذه الأجندة، الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته فى مختلف نواحى الحياة، مؤكدة على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعى ومشاركة كافة المواطنين فى الحياة السياسية والاجتماعية.
مع تحقيق نمو اقتصادى مرتفع واحتوائى ومستدام، علاوة على تعزيز الاستثمار يأتى ذلك جنب للاستثمار فى البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والابتكار والبحث العلمى فى كافة المجالات.
-ثانيا برنامج الإصلاح النقدي:
تنطوى فلسفة السياسة النقدية فى مصر على تحقيق سلامة النظام النقدى والمصرفى واستقرارا الأسعار، فى إطار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى ويلتزم البنك المركزى بتحقيق والحفاظ على معدل تضخم منخفض ومستقر على المدى المتوسط من خلال نظام وسياسة سعر الصرف الأجنبى وتنفيذها، وتنظيم سوق الصرف كما تم بناء الاحتياطى الأجنبى وتخطى مستويات ما قبل أحداث يناير ليغطي الواردات مدة 6 أشهر على الأقل، والسيطرة على الموجة التضخمية الناتجة عن تحرير سعر الصر ف، وفى سبيل تحقيق ذلك قام باتخاذ عدد من الإجراءات التالية:
• تخفيف القيود الرقابية التى سبق فرضها على عمليات النقد الأجنبى ومن أهمها حدود السحب والإيداع، والتى ساهمت فى القضاء على السوق الموازى للنقد الأجنبى.
• توفير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية، وكذلك سداد مستحقات الشركات الأجنبية العاملة بالسوق المصرية.
• بناء الاحتياطيات الأجنبية والتى وصلت مستويات تاريخية بالرغم المخاطر التى تعرضت لها الأسواق الناشئة فى منتصف عام.2018
• اتباع سياسة نقدية تقييدية من أجل السيطرة على معدلات التضخم، والتى تضمنت استخدام مزيج من أدوات السياسة النقدية منها سعر الفائدة، نسبة الاحتياطى الإلزامى، وعمليات السوق المفتوح للسيطرة على مستويات السيولة بالسوق المصرفية.
• إعلان مستهدفات التضخم فى البيانات الصحفية للجنة السياسة النقدية لاول مرة فى تاريخ البنك المركزى مما يزيد من مستويات ثقة المستثمرين والمستهلكين فى الاقتصاد المصرى وقدرة المركزى على الإبقاء على معدلات التضخم ضمن مستوياتها المستهدفة.
بذلك، مكنت هذه السياسات الاقتصاد المصرى من القدرة على الاستجابة للأزمات الدولية وفى مقدمتها ً جائحة "كوفيد19-"، والحرب الروسية الأوكرانية، بالرغم من أن تداعياتهم امتدت لكافة الدول إلا أن الدولة واصلت برنامجها الاقتصادى، واستكمالها لنهجها كما استطاعت التعاطى معها بشكل أكثر مرونة، استناد من خلال تنبى البنك المركزى المصرى منذ مارس، 2022 سياسة نقدية تشددية تتمثل أبرز ملامحها فى رفع سعر الفائدة من أجل تحقيق استقرار فى معدلات التضخم، والحفاظ على جاذبية أدوات الدين المحلى مع ضمان عدم نزوح الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة إلى الاقتصادات المتقدمة، وذلك مع الاطمئنان أن الاقتصاد المصرى يستطيع الحفاظ على معدلات نموه؛ إذ قدر خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى /2023، 2024 سيبلغ النمو الاقتصادى نحو %4.1 خلال العام /2023 2024 مقابل معدل نمو متوقع يبلغ %4.2 خلال العام /2022، 2023 وهى التقديرات المتشابهة مع تقديرات جميع المؤسسات الدولية.
• إلى جانب معدلات النمو، فإن معدلات البطالة لم تتأثر بسياسات رفع الفائدة فى مصر؛ إذ تباطأ خلال الربع الأول من العام 2023 إلى %7.1 مقارنة بـ %7.2 خلال الربع الأخير من العام 2022؛ حيث انخفض عدد العاطلين عن العمل بالربع الأول من العام الجاريإلىمليونينو171 ألف شخص مقابل مليونين و185 ألف شخص خلال الربع السابق.
• ويأتى هذا بدعم من جهود الدولة لدفع معدلات النمو الاقتصادى، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية فى كافة القطاعات عبر الترويج لخريطة مصر الاستثمارية، إلى جانب تعزيز البنية التكنولوجية والتحول الرقمى والشمول المالى، وتعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة فضلا عن إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام، مع العمل على دعم استقرار معدلات الدين العام.
أيضا تم طرح شهادات ادخارية جديدة بمعدل فائدة مرتفعة من أجل السيطرة على الموجة التضخمية التى يشهدها الاقتصاد المحلى، فعلى سبيل المثال، طرح بنكا الأهلى ومصر فى يناير 2023 شهادة ادخار جديدة بفائدة %25 مدة عام، وهي الأعلى على مستوى القطاع المصرفى المصرى، ليعلن نفس البنكان فى يوليو 2023 عن إصدار شهادتى ادخار جديدتين بالدولار الأمريكى مدة ثالث سنوات.
قد انعكست تلك الجهود بنتائج إيجابية على مدار الشهور الماضية، ليبلغ فى أغسطس المنصرم نحو 34.928 مليار دولار مقارنة بنحو 34.878 مليار دولار فى يوليو السابق له بزيادة بلغت نحو 50 مليون دولار.
• كما عكف القائمين على السياسة النقدية فيم صر على الوصول لتسعير عادل لسعر صرف الجنيه المصرى ولكى يتم جذب استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة، أو استثمارات تم خفض قيمة الجنيه المصرى من حوالى 15 جنيها لكل دولار فى مارس إلى نحو 30.9 جنيه مقابل الدولار فى وقتنا الحالى.
ونتيجة لقرارات البنك المركزى المصرى بإعادة تسعير سعر صرف الجنيه المصرى أثر كبير على قدرة مصر على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى وصلت إلى 11.4 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022 مقابل نحو 5.1 مليار دولار فى عام.2021
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة