منذ وقوع إعصار درنة المؤسف الذى راح ضحيته الآلاف، والذين قدرتهم الأمم المتحدة بـ11.300 قتيل، بينما وزير الصحة الليبى أعلن أن الضحايا بلغوا 3868، إضافة إلى عدد المفقودين، أيا كان الرقم الحقيقى فإن الكارثة أكبر من أى رقم، على المستوى الإنسانى والاجتماعى والاقتصادى.
كارثة درنة على فظاعتها، ليست هى الأولى ولا الأخيرة فى تاريخ البشرية، فمثل هذه الكوارث تقع بين حين وآخر بأشكال مختلفة، سواءً كانت أعاصير أو زلازل أو براكين أو فيضانات أو حرائق، كل هذا غير الكوارث التى يصنعها البشر بأنفسهم ولعل الحروب هى أكبر هذه الكوارث، خاصة فى عصرنا الحديث الذى شهد فيه العالم حربين عالميتين استغرقت الأولى أربع سنوات 1914-1918 ، والثانية ست سنوات من 1939- 1945، وفى خلال الحربين مات ملايين البشر ودمرت مدن بكاملها وأصبحت أطلالًا، وانتشرت أوبئة ومجاعات وفقر مدقع.
ناهيك عن الحروب الإقليمية بين الدول والجماعات والحوادث، أقول كل هذا لأنى فى حدود علمى لم أسمع أن ضحايا أى من تلك الكوارث التى قتل فيها ملايين البشر قد خلفت وراءها عفاريت أو كما يقول الليبيون (الغيلان) أو الجن! نعم عفاريت، مع الأسف هذا ما يحاول البعض نشره الآن عبر فرق الإنقاذ والمستغلين بلا رحمة لما يجرى فى ليبيا، ويرددون أن المناطق المنكوبة يظهر بها ليلًا عفاريت تتحرك، وهى كالضوء يتحرك يمينًا ويسارًا، حتى أثاروا الذعر بين الناس، وهم يقولون إن هذا بسبب جثث المفقودين، وخرافات وقصص أخرى كثيرة يدللون بها على وجود العفاريت. بل إنهم تقّوّلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان".
هؤلاء الذين يروجون تلك الخرافات ما هم إلا تجار حروب، وهو المصطلح الذى كان يطلق على من يتاجرون فى الحروب، ويبيعون أى شيء وكل شيء حتى يثروا ثراءً فاحشا، وهم فى الحقيقة قد كونوا ثرواتهم من دماء البشر وآلامهم، وتلك النوعية موجودة فى كل زمان ومكان، وهم أنفسهم الذين يسرقون المصابين والموتى فى الحوادث .
أما ترويج هذ الفكر ونشره وانتشاره هكذا، فهو مع الأسف لا يحدث إلا فى بلاد المسلمين، فكما ذكرت من مصائب ونكبات مرت على البشرية أزالت مدن بأكملها، لكنها لم تظهر إلا فى بلادنا، فلم نسمع أن هيروشيما ونجازاكى قد ظهرت فيهما العفاريت، ولم نسمع أن ألمانيا وإيطاليا المدمرتان فى الحرب العالمية الثانية قد ظهر الجن فيهما، أو أن بلاد الأرمن التى قتل رجالها ونساؤها وأطفالها وعلقوا على المشانق قد ظهر بينهم غول، أو حتى الأعاصير التى تجتاح أمريكا وكندا فى كل عام تقريبا ! والأمثلة كثيرة.
إذن لماذا لا تظهر العفاريت إلا فى بلادنا العربية والإسلامية فقط ، ولماذا لا تتردد مثل هذه الخرافات فى البلاد الأخرى؟ ولماذا تجد سوقًا رائجا عندنا، بينما يعتبرها الغرب تخلفًا وجنونًا؟ من الذى يريد أن يصّدر لنا الخرافات ويجعلنا نعيش فيها وندور حولها؟.
أعتقد أن ليبيا وأهلها لديهم ما يكفيهم من الكوارث والمحن، ولا ينقصهم ما يتداوله هؤلاء الظالمين الذين يثيرون الذعر ويفترون على الرسول وينشرون الأكاذيب المضللة، التى ما زال البعض يصدقها ويروجها إما لجهل أو منفعة، حمى الله الشقيقة ليبيا من كل سوء ومد يد عونه لأهلها فى محنتهم.