محمد عبد الباسط عيد: الشعر القديم يحتاج قراءة جديدة.. وإعادة مناقشة "انتحال الشعر" ليست مفيدة

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2023 05:00 م
محمد عبد الباسط عيد: الشعر القديم يحتاج قراءة جديدة.. وإعادة مناقشة "انتحال الشعر" ليست مفيدة الدكتور محمد عبد الباسط عيد
حاوره - أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن وجود ناقد يعنى وجود عقل، فالنقاد أناس يبحثون بصورة أو بأخرى عن المنطق، ويستخرجون لنا ما يرونه "حقًا" وما يعتقدون أنه "جميل"، هم بمثابة ميزان يحكم ويد تشير إلى الجمال، وعالم بلا نقاد يعنى أنه عالم بلا سور لذا يختلط فيه الحابل بالنابل، ومن النقاد الذين تنطبق عليهم هذه الصفات الناقد الدكتور محمد عبد الباسط عيد، وهو ناقد متحقق قدم العديد من الكتب حاور فيها التراث العربى شعرا ونقدا وقراءات وتفاسير، ولعل آخر كتبه "خباء النقد والشعر" يكشف لنا كيف يفكر عبد الباسط عيد، وكيف يراهن على "الحجاج" فى فهم النصوص وفهم العالم كله.. لذا كان لنا معه هذه الحوار.

 - معلقة امرئ القيس بكل حضورها وقيمتها تستحق كتابك "خباء النقد والشعر"..  كيف ذلك؟

 أودّ أن أذكرك بقيمة "امرئ القيس" فى الشعر العربي؛ فهو الشاعر الذى فتح الطريق أمام الشعراء، و"خسف لهم عينه" على حد تعبير أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لقد كان مقدرًا من قِبل أجيال متتالية من الشعراء والنقاد، ومعلقته من وجهة نظر الجميع آية من آيات الإبداع اللغوي، وهى من وجهة نظرى واحدة من عيون الشعر العالمي.. ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن الشعر القديم عامة وشعر المعلقات خاصة يحتاج إلى مزيد من المقاربة التى تُمكِّن القارئ العام (وليس المختص فقط) من وصل حاضره الجمالى بماضيه، ووصل ماضيه بمستقبله.. أتحدث هنا عما يمكن وصفه بـ"الهوية الجمالية" النامية لأى أمة، ونحن أمة لديها إبداع أصيل يمتدّ لأبعد من ألف وخمسمائة عام، ويمكننا قراءته اليوم والتمتع به. 

 

محمد عبد الباسط عيد
محمد عبد الباسط عيد

 - فى عصرنا الراهن .. هل ترى أن استراتيجيات الحِجَاج هى "الأكثر مناسبة" لـقراءة الأدب؟

دعنى أتحفظ على صيغة التفضيل "الأكثر مناسبة"، ليس لأن الحجاج لصيق بكل ممارسة كلامية أو إعلانية، وليس لأن الاستمالة هدف كل "خطاب" بداية من النص الدينى إلى النصوص السياسية والإشهارية ... وإنما لأن الحجاج يقدم استراتيجيات يصعب الحديث عن أفضليتها على غيرها بالمطلق، ولكنها قد تكون أنسب لبعض النصوص دون بعض... ورغم ذلك فالحجاج فى العموم لا ينفكّ عن مقولات الديمقراطية والحق فى الاختلاف وحرية الفرد فى الاعتقاد والتعبير.. وهذا ما يجعله مقولة متسقة مع توجهات عصرنا. 

- اشرح لنا فكرتك عن إضافة "الشروح الأدبية" لـ مصادر النقد الأدبي.. ما الذى ستضيفه لنا؟

 هناك قناعة لدى الدارسين أن "شروح الشعر" ذات طبيعة تعليمية، لا يجب أن يتوقع النقد منها الكثير، وهذا مما تجب مراجعته، فالشروح بالنسبة لى هى أول مواجهة مباشرة مع النص من أجل أن تقدمه إلى المتلقي، الشروح هى بداية البحث فى إشكاليات القراءة والتفسير، كان على الشارح مثلا فى نهايات القرن الثانى الهجرى تقديم شعر المعلقات لطلاب المدارس الذين تفصلهم عن هذا الشعر عدة قرون، ومن ثم كان عليه البحث فى المفردة وظلال دلالتها البعيدة، وقل الأمر نفسه عن التركيب اللغوى ودلالات الصورة .. كان على الشارح أيضًا الربط بين النص موضع الشرح وبين النصوص التى تسبقه، واستعادة الأفق التخييلى لهذه القصيدة أو تلك بما هى خطاب مكتمل وليس بما هى أبيات جزئية وشواهد متناثرة.. وهذا كله جعل الشروح شديدة الغنى بالمفهومات النقدية الدقيقة والإشارات السياقية والتداولية التى يجب الوعى بها لاستظهار المعنى... وهنا بالضبط مكمن إضافتها. 

خباء النقد والشعر
خباء النقد والشعر

- يتبنى محمد عبد الباسط عيد فكرة أن "نقاد الأدب" هم الأولى بالاطلاع على "تفاسير القرآن الكريم.. كيف ذلك؟

لا أقصد "الأوْلى" بمعنى أنهم يجب أن يزاحموا غيرهم، وإنما أقصد إلى ضرورة الوعى النقدى بالقيمة المنهاجية لتفاسير القرآن.. ما قدمه المفسرون فى هذا الصدد هو كنز معرفى ومنهجى لا مثيل له، بداية من التفسير بالمأثور إلى التفسير اللغوى والسياقى مرورا بالتفسير الإشارى وليس انتهاء بالموسوعات اللسانية والمنطقية على نحو ما نجد مثلا فيما قدمه برهان الدين البقاعى (ت885ه) فى مدونته الباذخة "نظم الدُّرر فى تناسب الآيات والسور".. باختصار، لا يجب أن يغيب نقاد الأدب عن هذا الزاد المنهجى المتنوع والأصيل، وهو زاد قادر على إرفاد النظرية النقدية المعاصرة وتقديم إسهام عربى حقيقى فيها، وهذا طموح مشروع، وإنجاز تأخر بأكثر مما ينبغي.  

- الإيقاع بالمفهوم الذى قدمه محمد عبد الباسط عيد فى كتاب "خباء النقد والشعر" .. هل هو الأكثر مناسبة للعصر الحالي؟

دعنا نقرر بأن الإيقاع من أصعب المفاهيم التى تواجه الناقد المعاصر، والحقيقة أننى قدمت هذا المفهوم أكثر من مرة، بداية من الدكتوراه 2008م، وشرعتُ ألحّ عليه أكثر من مرّة؛ فأنا أعتبر الإيقاع مكونًا جوهريًّا لكل شيء.. إذ يمكننا الحديث عن إيقاع الجسد والعمارة وإيقاع الشارع بقدر ما يمكننا الحديث عن إيقاع القصيدة القديمة وإيقاع قصيدة النثر.. إلخ.
 الإيقاع ليس حلية شكلية فارغة، وإنما هو مكون بنيوى فى كل شيء.. وعليه فأنا أُميِّز بين الإيقاع بما هو حركة دلالية نحو مركز أو هدف محدد، والوزن العروضى المجرد والتشيكلات اللغوية الموسيقية التى تنجزها الأصوات والكلمات المتجانسة والمكررة.. وأرى أن الإيقاع هو نبض الحركة الدلالية فى النصوص، ووفق مدارها تأتى التشكيلات العروضية والموسيقية. 

وعليه، يمكننا تقديم مقاربة إيقاعية لأى نص (قديم أو حديث)، مقاربة تدرس رؤيته للعالم وخصوصية بنائه أو شكله بقدر ما تدرس تبدياته العروضية والموسيقية، أقصد أن الإيقاع يصلح أن يكون مدخلًا للدراسة، وأنا جربت هذا الفهم على الشعر القديم وعلى شعر "قصيدة النثر" أيضًا. 

الخطاب النقدي
الخطاب النقدي

 

- هل لدينا أزمة "نقد"؟ هل لدينا أزمة نقاد؟

ماذا تقصد بالأزمة؟ هل تقصد أن النقد لا يتابع كل الأعمال الأدبية؟ هذا صحيح إلى حد ما، ولكن هل المطلوب من النقد أن يتابع كل الأعمال الأدبية؟ هناك أعمال تجاهلها والسكوت عنها تماما هو أفضل متابعة لها.. ولدى قناعة بأنه لا يوجد نص أدبى جيد لم يحتفِ به النقد، ولم يقترب منه ويقدمه للناس.. أما إذا كنت تقصد أن نقدنا العربى لا يسهم فى التيارات النقدية العالمية، فهذا صحيح، نحن فى أزمة ثقافية، وهى جزء من أزماتنا العامة بشكل عام، النقد ممارسة حرة، يصعب تمريرها فى سياق تراجع القانون والحريات العامة.. وبهذا المعنى لدينا أيضًا أزمة نقاد، ولكن دعنا أولا نتذكر أن النقد صناعة ثقيلة، وإعداد الناقد أمر يحتاج إلى جهد ووقت، وكما تعلم، هناك فرق بين الناقد ومدرس النقد.

- حسب ذائقتك ومنهجك العقلى .. هل يمكن لمحمد عبد الباسط عيد أن يحدد لنا 10 نقاد فى تاريخ النقد العربى (قديم وحديث).. 

من المهم هنا أن أذكرك بأن النقد بالمفهوم المعاصر لم يكن بمثل هذا الوضوح قديمًا، لا يوجد لدينا رجل يمكن وصفه بالناقد، ولكن لدينا أسماء كثيرة أسهمت – من دوائر علمية مختلفة- فى بلورة المفهوم، كالبلاغيين واللغويين والرواة والمتكلمين... وعليه فقد تشكّل الأفق من عدة أسماء أبرزها: ابن سلام الجمحى وقدامة بن جعفر والصولى الآمدى والجاحظ والجرجانى وابن جنى وأبو هلال العسكرى وحازم القرطاجنى .. أما فى المحدثين فلدينا أسماء مهمة، حاولت التفاعل مع المناهج الغربية واستيعابها وقراءة النصوص القديمة والحديثة وفقًا لها، من هذه الأسماء: العقاد والمازنى وطه حسين ومحمد مندور ومحمد النويهي، وهم أعلام الدراسات التاريخية والاجتماعية والنفسية حول الشعر والأدب بشكل عام، وظل الأمر كذلك حتى جاءت أسماء جديدة من أجيال متتالية تبنت فهمًا مغلقًا للنص، ودعت إلى منهاجية لغوية تعزله عن سياقه الحى بداية من النقد الجديد الذى ضم أسماء من أمثال: رشاد رشدى ومحمود الربيعى وعلى عشرى زايد وأحمد درويش، حتى جاءت مدرسة فصول النقدية وقدمت عشرات الأسماء التى انشغلت إلى أقصى حد بزرع المناهج اللسانية الغربية فى ثقافتنا، فازدادت معها عزلة النص والنقد معًا عن السياق العام وعن القارئ وبدا النقد ممارسة نخبوية شديدة الاختصاص، ويمكنك أن تضرب الأمثال على ذلك بأسماء أكاديمية بارزة مثل: صلاح فضل وجابر عصفور وكمال أبو ديب وعبد الغذامى (البنيوي) وعبد السلام المسدى والطرابلسى ومحمد مفتاح...وغيرهم
وفى مقابل هذا كله كان لدينا تيار شديد الأصالة – وهو الأقرب إلى نفسى - وأقصد به تيار "مدرسة الأمناء" بريادة الشيخ أمين الخولي، وهذا تيار حاول استيعاب الوافد ومناقشته واستيعاب التراث ورفع شعار" لا تجديد إلا بعد قتل القديم فهمًا" وقدم هذا التيار أسماء مهمة، يأتى على رأسها الأستاذان الجليلان: شكرى عياد ومصطفى ناصف... وأزعم أننى فى كل ما أنجزت امتداد لهذا التيار. 

 وفى وقتنا الحالى توجد أسماء مهمة بالتأكيد، ولكنها من وجهة نظري، موزعة بين أكثر من اتجاه، منها من ينشغل بالترجمة والنقل، ومنها من يتجاهل المنهج تماما، ومنها من يتمسك ببعض الاتجاهات الغربية القديمة نسبياًّ ويصر عليها، ومنها من ينتظر الجديد الغربى ليتبناه ويدعو إليه، ومنها من يحاول استعادة أصول "مدرسة الأمناء".. وعلى هذا النحو تبدو الاتجاهات موزعة والجهود مشتتة، شأن كل شيء فى حياتنا، توجد طاقات علمية، ولكنها تعمل بشكل منفرد ومنعزل عن غيرها، لا توجد بلورة للواقع ولا استشراف للغد، وبهذا المعنى يمكننى أن أحدثك عن الأزمة..!!

النص
 

 

محمد عبد الباسط عيد ناقد "متمرس" فى قراءة شعر ما قبل الإسلام، وقد أشرت فى الكتاب إلى طه حسين وموقفه من الشعر الجاهلي.. أريد أن أعرف رأيك فى فكرته "عن انتحال الشعر"

لا أظن أنه من المفيد طرح هذه القضية اليوم بعد التحقيقات الموثِّقة لمعظم نصوص الشعراء ودواوينهم، فالناقد أو الدارس اليوم لا يبحث فى مثل هذه القضايا، وهى قضايا قديمة جدًا بالمناسبة، ولعل محمد بن سلام الجمحى (ت231ه) أول من تكلم فيها، وكثر الكلام فيها فى بدايات القرن الماضى لطبيعة المناهج الاجتماعية والتاريخية التى ينطلق منها نقاد تلك الفترة، وعلى رأسهم بالتأكيد طه حسين..!
 الناقد اليوم يقارب النصوص القديمة على نحو ما استقرت فى أفضل التحقيقات وأكثرها انضباطًا، والأهم أنه يقاربها بما هى حدث ثقافي، خاصة بعد أن تشرب مقولات التناص وموت المؤلف وتراجع انشغاله بقدرة النص على أن يكون مرآة لعصره وتاريخه، وبعد أن سلّم النقد بإمكانية الاختلاف الجزئى فى رواية هذه القصيدة أو تلك، وهذا البيت الشعرى أو ذاك. 
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة