اتصل جمال عبدالناصر تليفونيا بحسن الهضيبى مرشد جماعة الإخوان فى حضور عضوها حسن العشماوى، يخبره بقرار مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 باشتراك الجماعة فى الوزارة الجديدة، ويطلب منه ترشيح ثلاثة، وفقا لرواية صالح أبورقيق أحد قيادات الإخوان للدكتور عبدالعظيم رمضان فى كتاب «عبدالناصر وأزمة مارس 1954»، مؤكدا أن المرشد رشح منير دلة، وحسن العشماوى، ومحمود أبوالسعود.
ويكشف: «فى ذلك الحين كان القائمقام يوسف صديق حاضرا، فأبدى تشككه أمام عبدالناصر فى أهلية الإخوان للوزارة، فاستدل العشماوى بالشيخ أحمد حسن الباقورى على وجود كفاءات فى الإخوان، فقبله على الفور وتحمس له»، ويؤكد أبورقيق: «عندما جرى الاتصال مرة أخرى بين عبدالناصر والهضيبى، أبلغه الأخير بضرورة البت فى هذه المسألة عن طريق مكتب الارشاد، ولكن مكتب الإرشاد عندما اجتمع قرر رفض الاشتراك فى الحكم».
جرى الاتصال فى 7 سبتمبر– مثل هذا اليوم – 1952 حسبما يؤكد «رمضان» بعد استقالة الوزارة الأولى برئاسة على ماهر بعد قيام الثورة، وتشكيل أخرى برئاسة اللواء محمد نجيب، ويكشف عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 23 يوليو 1952» سبب استقالة على ماهر، قائلا: «رأت الثورة أنه أبطأ فى إصدار قانون تحديد الملكية الزراعية، وبدا أنه يضع العقبات أمام صدوره، ويجتمع بكبار الملاك من معارضى هذا القانون، مما شجعهم على التكتل لإحباط المشروع، وكان يساندهم فى ذلك رجال الأحزاب الذين يريدون خلق العقبات لزعزعة مركز الثورة، وفى يوم الأحد قدم استقالة وزارته، وصرح للصحفيين، أنه رأى أن الوقت أصبح مناسبا لأن تجتمع القيادة فى يد واحدة، وفى قوة واحدة، واستقالته تمت بالاتفاق التام مع قيادة الثورة».
تعددت روايات أسباب رفض الجماعة للاشتراك فى الوزارة، ومنها رواية «أبو رقيق» لرمضان، أما مجلس قيادة الثورة فذكر روايته فى بيانه بمناسبة قرار حل الجماعة يوم 14 يناير 1954، ونشرته جريدة الأهرام فى اليوم التالى «15 يناير 1954».
يكشف البيان: «حينما تقرر إسناد الوزارة الى الرئيس محمد نجيب، تقرر أن تشترك فيها جماعة الإخوان بثلاثة أعضاء أحدهم الشيخ أحمد حسن الباقورى، وتم اتصال تليفونى بين الصاغ «عبدالحكيم عامر» والمرشد «حسن الهضيبى» فوافق على هذا الرأى قائلا، أنه سيبلغ القيادة الاسمين الآخرين، ثم حضر الأستاذ «حسن العشماوى «المحامى» إلى مقر القيادة فى كوبرى القبة، وأبلغ جمال عبدالناصر أن المرشد يرشح للوزارة الأستاذ «منير الدلة» الموظف بمجلس الدولة، والأستاذ حسن العشماوى «لسان حال المرشد العام»، وعرض هذا الترشيح على مجلس قيادة الثورة فلم يوافق عليها، وطلب «عبدالناصر» من «العشماوى» أن يبلغ ذلك إلى «المرشد» ليرشح غيرهما، وفى نفس الوقت اتصل «عبدالناصر» بالمرشد، فقال الأخير له أنه سيجتمع بمكتب الإرشاد فى الساعة السادسة، ويرد عليه بعد الاجتماع، وأعاد «جمال» الاتصال به بعد الاجتماع، فرد عليه بأن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك فى الوزارة، فلما قال له «عبدالناصر» أننا أخطرنا «الشيخ الباقورى بموافقتك، وطلبنا منه أن يتقابل مع الوزراء الساعة السابعة لحلف اليمين، أجاب «المرشد» بأنه يرشح بعض أصدقاء الإخوان للاشتراك فى الوزارة، ولا يوافق على ترشيح أحد من الإخوان».
يتتبع البيان مسار علاقة «الجماعة» بالثورة منذ يومها الأول، ويذكر واقعة مهمة تفسر صدامهما، وطمع الجماعة فى الاستئثار بها.. يقول البيان: «طلب مرشد الجماعة أن يقابل أحد رجال الثورة، فقابله جمال عبدالناصر فى منزل صالح أبورقيق الموظف بالجامعة العربية، وبدأ المرشد حديثه مطالبا بتطبيق أحكام القرآن فى الحال، فرد عليه جمال أن هذه الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعى والاستبداد السياسى والاستعمار البريطانى، وهى بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم، فانتقل المرشد بالحديث إلى تحديد الملكية، وقال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى 500 فدان، فرد عليه جمال قائلا، إن الثورة رأت التحديد بمائتى فدان، وهى مصممة على ذلك، فانتقل المرشد بالحديث قائلا، إنه يرى لكى تؤيد «هيئة الإخوان» الثورة أن يعرض عليه أى تصرف للثورة قبل إقراره، فرد جمال قائلا، بأن هذه الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها، وهى لن تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد، وإن كان هذا لا يمنع القائمين على الثورة من التشاور فى السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأى دون التقيد بهيئة من الهيئات»..يؤكد البيان: «لم يلق هذا الحديث قبولا من نفس المرشد».
يرى عبدالعظيم رمضان: «أهمية تلك المسألة أنها أوضحت لقيادة الإخوان أن حركة الجيش لا تنوى الدخول تحت وصايتها كما كانت تأمل، ومنذ ذلك الحين أخذت تتحفظ فى إظهار تأييدها لها، وهذا يفسر موقف قيادة الاخوان، وخصوصا مكتب الإرشاد من مسألة الاشتراك فى وزارة محمد نجيب».
تم الإعلان عن الوزارة بمفاجأة اشتراك الشيخ الباقورى عضو مكتب إرشاد الجماعة فيها.