فى عام 1994 استضافت مصر مؤتمر السكان والصحة العالمى، وبعد 29 عاما تنظم مصر خلال هذه الأيام نفس المؤتمر لاستعراض مستجدات القضية السكانية قاريا ودوليا ومحليا أيضا.
الملفت هنا ليس الفارق الزمنى بين المؤتمرين ولكن فى المفارقة الصادمة فى الأرقام، فعند استضافة المؤتمر العالمى للسكان فى 94 كان عدد سكان مصر حوالى 60 مليون نسمة، وفى العام الجارى 2023 الذى تستضيف فيه مصر المؤتمر هذه الأيام عدد السكان قد بلغ 113 مليون نسمة. بما يعنى أن مصر زاد عدد سكانها ما يقرب من 53 مليون نسمة فى أقل من 30 عاما. وأصبحت فى قائمة الدول الـ14 الأكبر فى العالم من حيث عدد السكان.
زاد عدد سكان مصر خلال 30 عاما فقط أضعاف الزيادة فى حوالى 6 أو 7 دول أوروبية بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد والنرويج والدنمارك، ولم نقارن حتى الآن بين الموارد ومعدلات النمو الاقتصادى والدخل القومى ودخل الفرد علاوة على الحروب ومواجهة الإرهاب.
على سبيل المثال السويد كان عدد سكانها فى عام 1960 بالضبط 7 ملايين و480 ألف نسمة ويبلغ حاليا ما يزيد قليلا على 10 ملايين نسمة يعنى فى ستين سنة عدد سكان السويد زاد فقط 3 ملايين نسمة
لا تندهش أيضا قبل أن تعرف أن الدنمارك زاد عدد سكانها فى 60 عاما مليون و250 ألف نسمة تقريبا فقط، حيث بلغ عدد سكانها عام 60 حوالى 4 ملايين و580 ألف نسمة، فيما يبلغ عدد السكان فى آخر احصائيات التعداد 5 ملايين و857 ألف نسمة.
ولا تزيد من دهشتك هذه المرة أيضا إذا عرفت أن النرويج زادت بأقل من 2 مليون نسمة فى 63 عاما، فقد بلغ عدد سكانها عام 1960 حوالى 3 ملايين و581 ألف نسمة فيما يبلغ حاليا 5 ملايين و408 ألف نسمة.
حتى الدول كثيفة السكان فى أوروبا مثل ألمانيا زادت 11 مليون نسمة تقريبا فى 60 عاما من 72.8 مليون نسمة إلى 83.2 مليون نسمة، وفرنسا زادت 21.1 مليون نسمة فى ثلاثة وستين عاما من 46.6 مليون نسمة الى 67.7 مليون نسمة، وإيطاليا 58 مليونا و850 ألف نسمة العام الجارى مقابل 50 مليون نسمة عام 60، وبريطانيا 67 مليون نسمة حاليا مقابل 52 مليون نسمة عام 1960 بزيادة 15 مليون نسمة فى ستين سنة.
أما نحن فى مصر فقد زدنا حوالى 86 مليون نسمة منذ 63 عاما، حيث بلغ عدد السكان عام 1960 ما يزيد قليلا عن 27 مليون نسمة مقابل 113 مليون نسمة الآن!
الوضع صعب للغاية إذا ما قارنا بين مواردنا وأوضاعنا والظروف التى مرت بها مصر من حروب عسكرية ومشاكل وصدمات وحروب إرهاب وبين موارد تلك الدول الأغنى فى العالم والأكثر استقرارا، ومع ذلك لا تعانى أية أزمة سكانية بل تعانى من الارتباك فى التركيبة السكانية من انخفاض فى عدد سكانها مقابل زيادة أعداد المهاجرين والوافدين اليها.
صيحة الخطر التى أطلقها الرئيس السيسى بالأمس -خلال حضوره افتتاح وفعاليات المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية، والذى يعقد تحت شعار "سكان أصحاء من أجل تنمية مستدامة"- يجب أن يصل صداها للجميع ويعمل الجميع من أجل مواجهتها، فالزيادة السكانية من أخطر القضايا التى تواجه مصر -كما قال الرئيس السيسى- فى ظل حجم المتاح من الموارد. فالزيادة السكانية غير المعقولة تلتهم أية معدلات للتنمية فى مصر مهما اتخذت الحكومة من خطوات وإجراءات للحد من هذه الزيادة و"الغول السكاني".
التضخم فى عدد السكان هو التحدى الأكبر الآن الذى يواجهه مصر ويعرقل عجلة النمو الاقتصادى بما يؤثر على مستوى المعيشة لكافة أفراد الشعب.
فكيف نصل إلى تحقيق المعادلة الصعبة بتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادى والنمو السكاني؟ وهل تنجح الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030، التى تم إعدادها فى ضوء أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 فى تحقيق هذه المعادلة؟
فالواضح أن الإجراءات السابقة لم تحقق المرجو منها والمطلوب خطوات أكثر فاعلية لتحقيق الهدف وحسنا فعل لرئيس السيسى عندما أسند رئاسة المجلس القومى للسكان فى المرحلة الحالية الى رئيس الوزراء لتفعيل الاستراتيجية التى تستهدف تحقيق التوازن بين السكان والتنمية من خلال تعزيز الصحة الإنجابية وتمكين المرأة والاستثمار فى الشباب، وتحسين فرص التعليم ورفع الوعى بالقضايا السكانية، وتحويل مشروع تنظيم الأسرة الى مشروع استثمارى يحقق أرباحا وفوائد، حيث إن كل جنيه تنفقه الدولة على تنظيم الأسرة -وفقا لوزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار- يوفر 151.7 جنيه فى قطاعات التعليم والصحة والإسكان ودعم الغذاء.
القضية خطيرة للغاية وتشكل ضغطا كبيرا على التنمية والخدمات المقدمة للمواطنين ويفترض أن ندرس التجارب الدولية الناجحة فى خفض معدلات الإنجاب فى دول مثل إندونيسيا وبنجلاديش والمغرب وماليزيا وهى دول تتشابه فى تقاليدها وعاداتها مع طبيعة الشعب المصرى.
القضية تحتاج إلى مزيد من نشر الوعى، خاصة فى أوساط النساء والعمل على تمكين المرأة اقتصاديا بتوفير فرص العمل لها، فقد لوحظ وفق البيانات الرسمية أن النساء المتعلمات أقل إنجاباً ويلتزمن بطفل أو طفلين، لذلك يجب الاهتمام هنا بتعليم المرأة، وتطبيق برنامج "الحوافز المالية" الخاص بالمشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية، الذى شهد توقيعه فى مارس الماضى الدكتور مصطفى مدبولى، وهو عبارة عن ادخار مبلغ 1000 جنيه سنويا لكل سيدة متزوجة ولديها طفلان بحد أقصى، وتقوم بالحصول على المبلغ المتراكم عقب بلوغها 45 عاما، ويسقط حقها فى المطالبة بأية مبالغ مالية فى حال إنجابها الطفل الثالث.
القسوة فى الإجراءات لن يؤدى إلى الهدف مع "الأفواه والأرانب".. فالمسألة تحتاج إلى وعى وتعليم وتحفيز ومشاركة.