"التحطيب" لعبة الرجال وسمة الاحتفالات والفرحة المميزة فى مختلف قرى ونجوع الأقصر.. الكبار والصغار يتجمعون داخل حلقات للاستمتاع باللعب والرقص بالعصا.. فلكلور من أهم اللعبات الشعبية ضمن قائمة التراث الثقافى

الجمعة، 08 سبتمبر 2023 09:00 ص

لعبة التحطيب

الأقصر – أحمد مرعى

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حلقة كبيرة تجمع العشرات من الرجال والشباب والأطفال، والجميع يلتف داخلها لمشاهدة مبارزة من نوع خاص أساسها الأخلاق والإحترام بين إثنين من المتبارين وهم يحملون فى أيديهم العصا المصنوعة خصيصاً لهذا الغرض، تلك هى المشاهد الرئيسية فى لعبة التحطيب والعصا الصعيدى الشهيرة التى تجذب الأطفال والكبار فى مختلف الاحتفالات والفعاليات السعيدة التى تنظم فى القرى والنجوع المختلفة.

وما أن يتم الإعلان عن حفل زفاف أو مولد من الموالد الدينية أو أية مناسبة سعيدة فى أى قرى ونجع حول الأقصر، حتى يجهز الجميع العصا المنتشرة فى كل منازل القرى والأسر والعائلات فالجميع يستخدم تلك العصا لتكون وسيلته فى المبارزة بالتحطيب بجانب إنها إحدى السمات الرئيسية لأبناء الصعيد فالجلباب لا يتم ارتداؤه بين الكبار إلا والعصا بين يديه لتزين المشهد بالكامل، والتى كان يطلق عليها فى الماضى "النبوت" والتى كانت وسيلة مبارزة وتحطيب وحماية أيضاً لدى العودة متأخرين لمنازلهم.

"اليوم السابع" رصد مبارزات التحطيب بين الشباب والكبار فى إحدى قرى محافظة الأقصر، حيث يقول الحاج محمود العتمانى إبن قرية الزناقطة التابعة لمدينة الأقصر، أن لعبة التحطيب من الموروثات الشعبية التراثية بين الجميع، فمع قدوم أية مناسبة سعيدة من حفل زفاف أو ليالى عقيقة وغيرها من مظاهر الفرحة، يتجمع الكبار والشباب والأطفال فى ليلة سعيدة من المبارزات بالعصا فهى لعبة الرجال الحقيقية والتى توارثها الأجيال على مر العصور، ورغم دخول عصر التكنولوجيا والتطور فى 2023، لكنهم لا يزالون يورثون تلك اللعبة العظيمة لأبنائهم وأحفادهم حتى لا تندثر فهى كانت ولا تزال عشق خاص لهم جميعاً.

ويضيف الحاج محمود العتمانى فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، إنهم من لم يرقص بالعصا فى حفل زفاف إبنه أو أحد أقاربه لا يعتبر قد ذاق طعم الفرحة والبهجة، فالرقص بالعصا هو رقص الرجال الصعايدة، مؤكداً على إنهم يقومون بتلك الرقصات وتنظيم المباريات الإستعراضية دون المساس بأحد خلال التبارى فيما بينهم، ولكنهم يقومون بحركات بسيطة ليثبت الأمهر فى اللعبة إنه الفائز بالبحث عن نقاط الضعف التى لا يغطيها المتبارى الآخر فى جسده بالعصا، حيث أن العصا كانت ولا تزال وسيلة الدفاع والحماية الأهم للصعيدى فى حياته، موضحاً أن رقصة التحطيب أصبحت أيضاً مرتبطة بالطقوس الإجتماعية والمناسبات السعيدة وغيرها من الإحتفالات، وذلك عكس ما كانت عليه عند الفراعنة التى كانت متعلقة بالطقوس الدينية، وعلى الرغم من بساطة اللعبة إلا أنها أصبحت مصدر إلهام للعديد من الحضارات مثل الكيندو اليابانى والمبارزة القديمة التى انتشرت فى معظم الحضارات الغربية، التى تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب عند المصرى القديم.

أما محمود العوامى أحد شباب منطقة العوامية بالأقصر، فيقول أن "لعبة التحطيب" واحدة من أقوى الطقوس التى يقبل عليها أبناء الأقصر ومحافظات الصعيد، حيث أنه على أنغام المزمار المبهجة والأغانى التراثية الصعيدية، يتجمع نجوم لعبة التحطيب فى حلقات وساحات التحطيب فى مختلف المناسبات والاحتفالات وحفلات الزفاف والمهرجانات طوال العام، وذلك لتقديم حلقات التحطيب، حيث يتجمع شيوخ ولاعبى التحطيب التراث الصعيدى الأشهر فى الصعيد، ويتم إجراء مباريات ومبارزة بين الكبار والشباب خلال الاحتفالية وسط أجواء مبهجة بين الجميع.

ويضيف محمود العوامى، لـ"اليوم السابع"، إنه مع التجهيز والبدء فى مبارزات التحطيب يحكم الجميع قواعد اللعبة التى فى مقدمتها الإحترام والأدب المتبادل بين الجميع، حيث تم إدخال بعض التطوير على اللعبة خلال القرن العشرين، بإدخال الشومة بدلا من العصا والحطب الصغير، موضحاً أن التحطيب "اللعب بالعصا" فن من الفنون المصرية المستمدة من الأصول المصرية القديمة، وقد نشر قدماء المصريين صورا هذا الفن على جدران معابدهم.

أما عن لعبة التحطيب وتاريخها فى الأقصر والصعيد، فيقول الدكتور محمد إمام الباحث المتخصص فى الشئون التراثية بالصعيد، أن التحطيب تعتبر أهم اللعبات التراثية ضمن قائمة التراث الثقافى العالمى غير المادى للبشرية "باليونسكو"، حيث تقيم الهيئة العامة لقصور الثقافة المهرجان والذى تنظمه الإدارة المركزية للشئون الفنية مهرجان سنوى للتحطيب، ويشارك فى المهرجان خمسة لاعبين بجانب شيخ اللعبة بكل من محافظات قنا، سوهاج، المنيا، باستثناء محافظة الأقصر التى تشارك بعدد أربعة عشر لاعباً للعصا بالإضافة لشيخ اللعبة، كما تشارك مجموعة المزمار من فرقة النيل للآلات الشعبية المصاحبة فى حلبة التحطيب، بجانب مشاركة فرق، الأقصر، قنا، سوهاج، أسيوط، المنيا، بنى سويف للفنون الشعبية، فرقة الأقصر للآلات الشعبية.

ويضيف الدكتور محمد إمام، لـ"اليوم السابع"، أنه فى كل عام يعود المهرجان للفنان عبد الرحمن الشافعى، وتقيمه قصور الثقافة سنويا بساحة أبو الحجاج الأقصرى، ويشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً من السائحين وأهل الأقصر، والتحطيب "اللعب بالعصا" فن من الفنون المصرية المستمدة من الأصول المصرية القديمة ونشر قدماء المصريين صور هذا الفن على جدران معابدهم، وكانت مصر نجحت فى تسجيل التحطيب على قائمة التراث الثقافى غير المادى فى المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 2016، مشدداً على أنه تضم محافظات الصعيد عددا كبيرا من الفرق الرسمية للتحطيب والتابعة لقصور الثقافة المختلفة، والذى يتشاركون فى المهرجانات والاحتفالات المختلفة، حيث أنه توجد فرق مكونة من 4 أو 5 لاعبين لكل قصر ثقافة يقدمون عروضهم فى المهرجان المختلفة، والتابعة لقصور الثقافة التالية:- (فرقة الأقصر للفنون الشعبية – فرقة قنا للفنون الشعبية – فرقة سوهاج للفنون الشعبية – فرقة أسيوط للفنون الشعبية – فرقة المنيا للفنون الشعبية – فرقة بنى سويف للفنون الشعبية – فرقة الأقصر للآلات الشعبية)، كما تضم محافظات الصعيد فرق تحطيب وشيوخ اللعبة الممثلة لمحافظات الصعيد "بنى سويف، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر".