تقوم فلسفة الحوار الوطنى على مُسلمة التفاهم المشترك بعد المرور بتعدد الرؤى حول القضية المطروحة على ساحة الحوار؛ ليصل المشاركون فى النهاية لعددٍ من المقترحات والتوصيات ذات الصبغة الإجرائية، والتى يمكن تفعيلها من قبل المؤسسات المختصة تحت رعاية الدولة وقيادتها السياسية، ومن ثم فلا مجال للتناحر أو المزايدة عند عقد جلسات الحوار؛ كى لا يستقر فى وجدان المجتمع الذى يثق فى مؤسساته ونخبته أن التباين فى الرأى حتمًا يؤدى إلى الخلاف؛ فهذا منطق غير مقبول، ولا تستهدفه الدولة من عقدها لجلسات الحوار الوطنى فى صورته الجامعة.
وحرى بالذكر أن التباين فى الرؤى والرأى بصورةٍ منضبطةٍ يؤديان إلى فتح آفاقٍ تعمل على تعضيد الوحدة الوطنية بجمهوريتنا الجديدة؛ إذ تجتمع فى نهاية المطاف حول المصلحة العليا للوطن برغم التباين الفكري؛ حيث إن الهدف مشتركٌ ويدور حول ابتكار حلولٍ تؤدى إلى تحسين الأوضاع فى شتى المجالات التى يستهدفها الحوار الوطنى المصري.
وثمت اعتقاد غير صحيح لدى البعض عند المشاركة فى جلسات الحوار الوطنى يتمثل فى فرض الرأى فى قضيةٍ بعينها عبر غلبة الأصوات وعلوها، ومن ثم ينبغى الوعى بأن الشراكة فى الوصول إلى حلول تقوم على المسئولية التى تحد من التوجه الفكرى للمشارك؛ فلا ينبغى أن توجه الايدولوجيات لغة الحوار لتصل إلى مبتغاها؛ فهناك مراحل أخرى قبل صناعة واتخاذ القرار حيال تلك القضايا، وهو ما يستوجب الشفافية وتحمل المساءلة وتجنب إفساد المُناخ الديمقراطى الذى عاد أدراجه مرةً أخرى فى فترةٍ استثنائيةٍ غير مسبوقةٍ فى تاريخ البلاد؛ ليتأكد للعالم بأسره أن الدولة المصرية لها مستقبلٌ واعدٌ يتحمل تحقيقه أبناؤها المخلصون.
وأود الإشارة إلى أن خبرات الدول وما بها من مجريات أحداثٍ لا تؤخذ على مطلقها؛ فهناك نسقٌ قيمى يحكم تلك الدول وتاريخٌ مرت به بعد آثارٍ وانتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ عديدةٍ فى حقب من الزمن ليست بالبعيدة، ومن ثم ينبغى الانتباه بأن النسق القيمى للمجتمع المصرى له طابعٌ خاص؛ إذ يُعلى من الجانب الأخلاقى ويضعف من حد البرجماتية التى تقلل من الشراكة والترابط بين أطياف المجتمع، كما أن موارد الدول ومقدراتها تحقق رؤيتها واستراتيجيتها؛ بينما يتباين الأمر فى وطننا الحبيب الذى يسعى إلى تحقيق أبعاد التنمية المستدامة بجهودٍ ضخمةٍ تبذلها مؤسسات الدولة ويرعاها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفى ذات السياق نرى أن مواقف الدول التى يتغنى بها البعض خاصة فى بُعد الحريات تختلف وفق مصالحها العليا؛ إذ تنتهك كافة القوانين التى تكفل الحريات عند تعرض أمنها الداخلى أو القومى للخطر، وتعلن عن ذلك صراحةً، والحقيقة التى لا مِراء فيها أن أمن الدول وأمانها سر ضمانة استقرار المجتمعات ونهضتها واستدامة تنميتها؛ فيصعب أن تُقدم الحريات بعيدًا عن مسئوليةٍ ومساءلةٍ متلازمين يحققان النهضة والتقدم لا التعثر والتوقف.
إن جسارة القيادة السياسية المصرية فى تدشين حوار وطنى يدل على إيجابياتٍ عديدةٍ، منها أن الدولة عازمةٌ على استمرارية الحوار لجنى ثمارٍ تساعد فى تحسين المسار نحو نهضتها وتحقيق استراتيجيتها، وأن الديمقراطية المسئولة دومًا تُعيد الأمور إلى نصابها لتتحقق المصلحة العليا دون الالتفات للمصالح الشخصية أو الفئوية، وأن قوة الدولة مستمدةٌ من إرادة شعبية تدعم مؤسساتها وقيادتها السياسية تترجمها الشراكة الفاعلة فى الحوار الوطنى المصرى، وأن ما تنتهجه الدولة من شفافيةٍ يُعد غير مسبوقٍ؛ حيث تغطى وسائل الإعلام المختلفة أحداث جلسات الحوار وفعالياته بشكلٍ مباشرٍ.
والرأى أنه يتوجب على مؤسسات الدولة أن تعقد المنتديات والندوات والمؤتمرات التى تعظم من ثمرة الحوار الوطنى وتسهم بصورةٍ وظيفيةٍ فى تقديم حلولٍ مدروسةٍ لما يواجه الدولة المصرية من تحدياتٍ ومشكلات على الساحة الداخلية والدولية؛ لتحقق مسار التنمية عبر شراكةٍ حقيقيةٍ ومسئوليةٍ جماعيةٍ قائمةٍ على مواطنةٍ صادقةٍ فى مدلولاتها، بما يُمكن من صنع قرار متمخض من ديمقراطية ٍمسئولةٍ تترجم العدالة والشمولية والتوافقية المجتمعية حول ما يُتخذ من قراراتٍ تنعكس إيجابًا على مجتمعنا المصرى العظيم.
ودعونا نسترجع ما ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسى من أن الديمقراطية فى صورتها المسئولة تؤكد على متخذى القرار الحذر من التصرف وفق الهوى؛ حيث إن المعيارية فى صنع القرار تبنى الوطن ولا تهدر مقدراته، وتحافظ على هوية الأمة وتؤدى إلى استدامة تنميتها ونهضتها.
حفظ الله بلادنا وثبت أركانها ووفق قيادتها الرشيدة لمزيدٍ من النهضة والازدهار.