تقف إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى، متهمة بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى، وذلك بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، التى تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية فى ضوء الفظائع التى ارتكبت ضد اليهود خلال «الهولوكوست»، هذه أول مفارقة.
المفارقة الثانية فهى أن القضية رفعتها جنوب أفريقيا، وهى الدولة التى اتهمت فى وقت سابق بالتفرقة العنصرية، وودعتها قبل أكثر من 3 عقود بعد كفاح قاده نيلسون مانديلا مناضلا فى مواجهة التفرقة العنصرية بسبب اللون، حكومة جنوب أفريقيا، التى ودعت نظام الفصل العنصرى الذى أصبح منبوذا على الساحة الدولية قبل 3 عقود، ترفع القضية ضد إسرائيل، متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين فى غزة.
المفارقة الثالثة أن محكمة العدل التى أكملت 75 على تأسيسها، بينما أكد رونالد لامولا وزير العدل فى جنوب أفريقيا، خلال جلسات الاستماع أن العنف والتدمير فى فلسطين لم يبدأ فى أكتوبر ولكنه مستمر منذ 76 عاما.
الدعوى تحول مهم، كان مطلبا من سنوات، باعتبار ما يجرى ضد الفلسطينيين هو ما كان وأكثر ضد السود بجنوب أفريقيا، من هنا اعتبرت صحيفة الجارديان البريطانية القضية قد تساعد على تعزيز اتفاقية الإبادة الجماعية، وتدخلها عصرا جديدا مع انعقادها للنظر فى الفظائع التى ترتكبها إسرائيل.
جلسة الاستماع لمحكمة العدل كانت مناسبة لاستعراض الفظائع والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل، وقال الممثل القانونى لجنوب أفريقيا إن بلاده لديها أدلة جمعت خلال 13 أسبوعا تؤكد تعمد إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية فى غزة، وأكد أمام جلسة استماع أمام محكمة العدل الدولية أن النية لارتكاب إبادة جماعية متوفرة لدى إسرائيل، وأن تل أبيب لم تتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين، وقنص النساء والأطفال فى قطاع غزة.
واستشهد ممثل جنوب أفريقيا بتصريحات نائب رئيس الكنيست والتى دعا فيها إلى محو غزة من على وجه الأرض، وتصريحات ووزير الدفاع الإسرائيلى والتى قال فيها إنهم يحاربون حيوانات بشرية، معلقا بالقول: النية لتدمير قطاع غزة موجودة لدى أعلى المستويات السياسية فى إسرائيل، وأن إسرائيل تستخدم الخطاب الدينى لتبرير قتل الأطفال والمدنيين فى غزة، وعرض ممثل جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، مقاطع فيديو لجنود الاحتلال يرقصون ويتوعدون سكان قطاع غزة بالدمار، ويسعون لإخراج الشعب الفلسطينى من غزة، وخلال الجلسة تم تعداد تصريحات من مسؤولين يهود يطالبون بقتل وتدمير الفلسطينيين والقضاء عليهم.
وزير العدل الجنوب أفريقى رونالد لامولا قال إن إسرائيل تحاصر غزة وتمنع الدخول برا وبحرا وهى جهة احتلال، معتبرا رد إسرائيل على هجوم 7 أكتوبر تجاوز كل الحدود، وقالت عادلة حسيم عضو الفريق القانونى لجنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية إن غزة لم يعد فيها مكان آمن، آلاف القذائف والمتفجرات تدميرا، ضد الفلسطينيين الذين تعرضوا لقصف لا يتوقف، فى بيوتهم والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ولا مكان يهربون إليه، ويدفنون فى مقابر جماعية، وتمنع قوات الاحتلال وصول الغذاء الى الفلسطينيين بل وتقصف سيارات وناقلات المساعدات والغذاء.
عضو فريق جنوب أفريقيا نيكتوبى تحدث عن توفر نية تدمير للفلسطينيين، وارتكاب فظائع، تؤكد ارتكاب الإبادة، وأكد أن قادة إسرائيليين أعلنوا نواياهم فى الإبادة الجماعية ومعهم الجنود، الذين لا يتورعون عن القتل، وأن إسرائيل لا تعتبر العدو فقط حماس، ولكن الشعب الفلسطينى فى غزة، ولهذا أعلن رئيس الوزراء نتنياهو يوم 7 أكتوبر الحرب على مليونى فلسطينى فى غزة.
جنوب أفريقيا التى من الواضح أنها حصلت على معلومات كاملة من دول عربية مختلفة، وعرض مندوبوها فيديوهات وصور تؤكد وقوع إبادة جماعية وحسب الاتفاقية «تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والعرقية والإثنية الفلسطينية، وتتسبب فى أذى جسدى وعقلى خطير لهم، وفرض ظروف معيشية عليهم تهدف إلى تدميرهم».
15 دولة بالأمم المتحدة انضمت لتأكيد وقوع إبادة جماعية فى غزة، ونية إفناء الفلسطينيين، من طريقة العمليات التى وصفت بأنها ممنهجة، لتدمير الشعب الفلسطينى، والبنية التحتية، وقتل العائلات فى بيوتهم، وأن واحدا من بين كل أربعة من سكان غزة أصيب أو قتل، مما يؤكد وقوع الإبادة الجماعية.
دولة الاحتلال الصهيونى ترفض الاتهامات، واعتبر إسحاق هرتزوج، رئيس الدولة اليهودية كل هذه الإبادة بأنها دفاع عن النفس، وأن بلاده تبذل أقصى ما فى وسعها « لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين فى غزة، متجاهلا أرواح أكثر من 23 ألفا أغلبهم من الأطفال فى « محرقة» وإبادة واضحة.
هذه المحاكمة تحمل الكثير من التفاصيل، ومحكمة العدل الدولية مناسبة لاستعراض أحد أكبر جرائم العصر، ومن الواضح أن جنوب أفريقيا حصلت على وثائق وتفاصيل ومعلومات، من دول عربية وتحظى بدعم معلن، وأيضا دعم كبير غير معلن من دول تملك مفاتيح وتفاصيل القضية الفلسطينية وتسعى لمتابعة مبادرات وقف العدوان، وبالتالى فإن محاكمة «الدولة اليهودية» باتفاقية لمحاكمة مرتكبى الهولوكوست ضد اليهود، هو بداية لمحاكمة القرن.
مقال أكرم القصاص