استيقظت اليوم على صوت طفلتى، تحركت باتجاه غرفة المعيشة حيث التلفاز والذى أصبح خلفية حزينة دموية لحياتنا لما يحدث في غزة منذ 100 يوماً، جاء صوت مسنة فلسطينية تجاوزت الثمانين بكثير، وقد جلست في أحد مراكز الإيواء تعد الخبز لأكثر من 35 عائلة قرروا العودة إلى منازلهم المدمرة بالكامل في شمال القطاع بعد انسحاب جنود الاحتلال الإسرائيلي ، كلماتها كانت قوية وكأنه لم يمر عليها شهور من التدمير والقتل والحصار والتجَويع: "راح نضل هون هاي أرضنا وراح نبني بيوتنا من تاني"، تلاه كادر لطفل لم يتجاوز العاشرة يجلس جلسة محمد علي باشا الشهيرة وهو مبتسم على كرسى مكسور بجوار أخيه يتدفأ بالنار الذي اشعلته أمه، هنا أدركت أن ما يجب أن أكتب عنه هذه المرة ليس عدد الشهداء الذين فارقَونا أو عدد المباني المهدمة أو عدد النازحين ولكن الكتابة عن ما تبقى فى غزة شئ لا يملكه الكثير من شعوب العالم وهو الصمود، فلا قدر الله أن بقى طفل فلسطينى واحد، سيكمل مسيرة القطاع، ويظل شعلة الكرامة والحرية ولكل حر يسعى لتحرير أرضه أَو حتى تحرير إرادتهم حول العالم.
ولكن الحقيقة هي أن 100 يوم من القتل الوحشى والحصار اللذين توفرت فيهم كل تعريفات الإبادة الجماعية المنهجية الوحشي مرت ثقيلة على أرواحنا، 100 يوم عاشها الفلسطينيون وسط الحرب و التدمير من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلى تنوعت ما بين القصف الجوي المستمر و العمليات العسكرية البرية كل اتجاه، يعيثون قتيلاً وفساداً في الأرض لا يفرقون بين شيوخ أو نساء أو أطفال، عاجزين عن تحقيق أهداف حربهم المزعومة.
100 يوم من المعاناة والجوع تحملها أهل غزة وسط قصف المستشفيات و مخيمات الإيواء، مخلفة 24 ألف شهيد َ70 ألف مصاب وأكثر من 10 آلاف مفقود تحت الاتفاض، 100 يوم ارتكب فيها الاحتلال 1993 مجزرة، قتلت فيهم إسرائيل 10400 طفلا و7100 من النساء.
100 يوم لم يرحم فيها الاحتلال بل استهدف العاملين من الاطقم الطبية والدفاع المدني والصحفيين فقتل بدم بارد 337 من الطواقم الطبية ، 45 من الدفاع المدني، و117 شهيداً من الصحفيين، و2 مليون نازح في العراء في ظروف شديدة القسَوة، 100 يوم من الحرب دمر فيها الاحتلال 70 ألف وحدة سكنية دمرها كلياً.
ولكننى أومن بأنه عندما تصبح ابنتي تنطق بكلمات وأحرف متلعثمة فلسطين حرة وترسم، فى ذكرى النصر، بيديها الصغيرتين علم فلسطين، ستكون غزة كما عاهدتنا قد عادت أبيه يرفرف فوق أرضها راية الحرية والانتصار، وسيحتفل حينها الفلسطينيون بصمودهم التاريخى الذى سيُحفر في صفحات التاريخ الى الأبد، ليستيقظ العالم على ضحكات أطفال غزة الذين يحيوا ذكرى من ضحوا بدمائهم الذكية لتظل فلسطين أرضا عربية حرة.