قال الدكتور أحمد المنظرى المدير الاقليمى لشرق المتوسط، خلال مؤتمر صحفى بشان مستجدات حالة الطوارئ الصحية بأقليم شرق المتوسط، إن اليوم يشهد مرور 100 يوم كاملة منذ اندلاع الأعمال العدائية في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، ويحتاج 140 مليون شخص في إقليم شرق المتوسط إلى مساعدات إنسانية، وستطلق المنظمة ندائها العالمي بشأن الطوارئ الصحية لعام 2024.
وأضاف، إنه في غضون تلك المدة الوجيزة، فقَدَ أهل غزة -الذين اعتادوا الاستيقاظ كل صباح استعدادًا للذهاب إلى المدرسة أو العمل، ثم العودة لتناول العشاء مع أفراد أسرتهم، والتخطيط لمستقبلهم- فقَدَ هؤلاء أقرب أحبائهم، ومنازلهم وممتلكاتهم، وسُبُل عيشهم، وأبسط حقوقهم الإنسانية.
ونزح نحو 85% من مجمل سكان غزة -أي 1.9 مليون شخص- عن ديارهم، واكتظت بهم مخيمات الإيواء، وباتوا يعانون من تدهور حاد في خدمات الصرف الصحي، ويعيشون بلا طعام أو ماء، بينما تبلغ درجة حرارة الجو من حولهم حد التجمد، فضلًا عما يواجهونه من جوع ومرض متزايدين، وخطر ناجم عن التعرض للإصابة أو الوفاة من جراء القصف.
ويقف النظام الصحي على شفا الهاوية، بينما يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى مواصلة أداء وظائفه وسط تحديات جسيمة وتهديدات بالتعرض للهجمات. ومع وجود 15 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى يؤدي وظائفه -على نحو جزئي- يتلقى العديد من المرضى المصابين العلاج وهم يفترشون الأرض داخل المرافق الصحية المكتظة، وكثير من هؤلاء الذين يمكن إنقاذهم يموتون بسبب نقص الأطباء المتخصصين، وانعدام الوقود والكهرباء، والدواء والغذاء، والماء النظيف.
ونتيجةً للقيود والتأخيرات المفروضة على إيصال الوقود والأدوية والمساعدات الأخرى، ما زالت معاناة الناس في غزة ومخاطر وفاتهم وإصابتهم بالأمراض على نحو لا يتصوره عقل في زيادة مستمرة.
وقال، إنه طوال 100 يوم، دعوْنا إلى زيادة تدفقات المعونة الإنسانية إلى غزة، وتيسير الوصول إليها دون عوائق، ودعوْنا أيضًا الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية، التي تتسبب كذلك في تداعيات مُقلِقة في كلٍّ من لبنان واليمن، فحتى 10 يناير، أبلغت وزارة الصحة اللبنانية عن وقوع 138 وفاة و617 إصابة في لبنان نتيجة الصراع المسلح العابر للحدود، وأسفر الهجوم الأخير على مرافق الرعاية الصحية في 11 يناير عن مقتل اثنين من المسعفين وتدمير سيارة إسعاف، كما أننا نراقب الوضع عن كثب في البحر الأحمر واليمن.
وأكد، إن الناس في إقليمنا، وهم من أكثر الناس ضعفًا وتأثرًا في العالم، لا يَقْوون على تحمُّل المزيد من الحرمان من حقوقهم الأساسية في الحياة، ومن الحصول على الرعاية الصحية المُنقذة للحياة، ولا تستطيع النُّظُم الصحية -التي تسعى بكل جد للاضطلاع بدورها وسط تحديات هائلة- أن تخضع لمزيد من الاختبارات، لذا، فإن المنظمة تعتزم، في وقت لاحق من بعد ظهر هذا اليوم، إطلاق ندائها العالمي بشأن الطوارئ الصحية لعام 2024، الذي يشمل حالات الطوارئ في جميع أقاليم المنظمة.
وأضاف، نحن نطلق هذا النداء في وقت باتت فيه الصحة في إقليم شرق المتوسط مهدَّدة على نحو لم يسبق له مثيل، ففي النصف الثاني من عام 2023، اجتاحت إقليمَنا 6 حالات طوارئ جديدة، منها فاشية كبرى للكوليرا في السودان على خلفية الصراع المتصاعد هناك، والفيضانات في ليبيا، والزلازل الكبرى في المغرب وأفغانستان، والمأساة المستمرة التي تتوالى فصولها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهي واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والصحية العامة في تاريخ الإقليم الحديث.
وفي الوقت الحالي، يحتاج 140 مليون شخص في إقليم شرق المتوسط إلى مساعدات إنسانية، وهو ما يمثل 20% تقريبًا من سكان الإقليم، وما يقرب من 40% من جميع المحتاجين على مستوى العالم. وفي عام 2024، ستحتاج منظمة الصحة العالمية إلى ما يقرب من 706 ملايين دولار أمريكي للاستجابة لحالات الطوارئ الكبرى في إقليم شرق المتوسط.
ولا يزال النظام الصحي في السودان يكافح وسط صراع طويل الأمد أصبح الآن يشكل أكبر أزمة نزوح في العالم اليوم. ويؤدي تزايد العنف وانتشار الأمراض، مثل الكوليرا، وإعاقة الوصول، وانعدام الأمن، ونهب الإمدادات، إلى تقويض الجهود التي يبذلها الشركاء في المجال الإنساني لإنقاذ الأرواح. ونتيجةً لتفاقم الصراع، لا تستطيع وكالات المعونة الآن الوصول إلا إلى 4 ولايات من بين جميع الولايات البالغ عددها 18 ولاية من داخل السودان.
وأوضح، لقد اضطرت الوكالات الإنسانية إلى الانتقال من ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة، ومع ذلك، نواصل تعزيز وجودنا الميداني وتعديل عملياتنا استنادًا إلى التغيرات السريعة التي تطرأ على السياق، والقدرة على تقديم الخدمات الحيوية المنقِذة للحياة إلى الفئات الأكثر ضعفًا.
ولا تزال الأزمة الإنسانية في أفغانستان واحدة من أكبر الأزمات وأكثرها حِدةً في العالم، إذ يعاني الآن 23.3 مليون شخص محتاج من تدهور النظام الصحي، والحرمان من الغذاء، وتفشي الأمراض المتعددة المتزامنة، واستمرار الصراع، وحدوث نوبات الجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية.
وفي الجمهورية العربية السورية، يحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى الخدمات الصحية في ظل نظام صحي يعاني من تكرار الصدمات التي تضمنت تفشِّي الأمراض، وغياب الاستقرار الاقتصادي، ووقوع الزلزال المدمر الذي ضرب كلًّا من الجمهورية العربية السورية وتركيا مطلع العام الماضي.
ولا يزال اليمن يواجه أزمة إنسانية حادة، إذ يحتاج ما يقرب من 18 مليون شخص إلى الحصول على مساعدات صحية، ولا يزال الوضع مزريًا، لا سيما للفئات الضعيفة مثل النازحين داخليًّا، والأطفال، والنساء، والمسنين، وذوي الإعاقة، والمجتمعات المحلية المهمشة، ويواصل اليمن مكافحة فاشيات الأمراض المعدية (ومنها الحصبة وشلل الأطفال وحمى الضنك والسعال الديكي والدفتيريا)، بالرغم من أن نحو نصف جميع المرافق الصحية فقط يعمل بكامل طاقته.
وستركز استجابتنا الإقليمية هذا العام، بالتنسيق مع السلطات الصحية والشركاء وجميع المستويات الثلاثة للمنظمة، على حالات الطوارئ المتعددة البلدان، بما يشمل الجفاف وانعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي الكبرى، وفاشيات الكوليرا المنتشرة في 9 بلدان من بلدان الإقليم البالغ عددها 22 بلدًا، وحُمى الضنك. وبالرغم من أن كورونا لم يعد يمثل طارئة صحية عالمية، فإننا لا نزال ملتزمين بالعمل مع البلدان والمجتمعات المحلية للوقاية من تزايد انتشاره، مع العمل في الوقت نفسه على بناء القدرات للتعامل مع الجوائح في المستقبل.
وقال، إن هذه هي آخر إحاطة إعلامية لي بصفتي المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إذ أعود إلى رحاب عملي في التدريس والإشراف على طلبة الطب والأطباء المقيمين بجامعة السلطان قابوس في مسقط، إلى جانب الإشراف على المرضى بالمركز الصحي لطب الأسرة التابع للجامعة، وعلى مدى 5 سنوات في منصبي هذا، رأيت مرارًا وتكرارًا كيف تؤثر حالات الطوارئ على حياة الأبرياء، فلن تبرح مخيلتي أبدًا نظرة الدهشة التي اعتلت وجه طفلة صغيرة فقدت والديها في الزلزال الذي ضرب الجمهورية العربية السورية؛ ولا دموع المرأة المسِنَّة التي فقدت حفيدها وبيتها في انفجار مرفأ بيروت؛ ولا القلق الذي ارتسم على وجه الوالديْن الجالسيْن بجوار طفلهما الواهن الذي يعاني من آثار سوء التغذية في الصومال؛ ولا الصدمة حين سمعنا نبأ وفاة زميلتنا ديما الحاج في غزة، وهي واحدة من بين أكثر من 145 موظفًا من موظفي الأمم المتحدة الذين قُتلوا منذ بداية الأعمال العدائية، وقُتل مع كثيرين منهم أُسرُهم أيضًا.
وبينما أغادر منصب المدير الإقليمي، يعتصر الحزن قلبي على ما آلَ إليه الوضع في إقليمنا، فالمكاسب الهشة التي تحققت تقف الآن في مهب الريح نتيجة خلط الصحة بالسياسة، في وقت تتزايد فيه حدة تأثير تغيُّر المناخ على الصحة العامة، لكنني في الوقت نفسه رأيت الأثر الذي تتركه منظمة الصحة العالمية وشركاؤها للمساعدة في إنقاذ الأرواح وتعزيز النُّظُم الصحية وإتاحة الرعاية الصحية لجميع من يحتاجون إليها، ورأيت كذلك تضامنًا وجهدًا بذلته دولنا الأعضاء من أجل دعم إخواننا وأخواتنا الضعفاء في البلدان التي تواجه الأزمات.
وبالرغم من كل التحديات، فقد أحدثنا فارقًا في حياة الناس، ولا نزال ملتزمين بذلك، مهما كانت العقبات التي تواجهنا. بل إن الأهم من ذلك هو أنه بالرغم من أن الوضع في غزة قد كشف لنا مؤخرًا هشاشة الاعتقاد الراسخ بقدسية الصحة، فقد أوضح لنا في المقابل عزم العاملين الصحيين والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني على بذل قصارى جهدهم -حتى لو كان ذلك على حساب سلامتهم وعافيتهم- للوصول إلى الأشخاص المحتاجين وإمدادهم بالرعاية المنقذة للحياة، وإنني على ثقة من أن هذا العزم لن يزداد إلا قوة وبأسًا، وسيضع الصحة العامة فوق كل الاختلافات الدينية، والصراعات السياسية، والمساعي العبثية لاحتكار السلطة والأرض.
وأشار الدكتور تيدروس، المدير العام للمنظمة، في معرض حديثه الأسبوع الماضي، إلى أن عام 2024 سيكون اختبارًا للبشرية؛ اختبارًا لما إذا كنا استسلمنا لمساعي الانقسام وإثارة الشكوك وتضييق النزعة القومية، أو ما إذا كنا قادرين على تخطِّي خلافاتنا والسعي إلى تحقيق الصالح العام.
وأحثُّ الجميع ولا سيما دول الخليج التي تتمتع باستقرار اقتصادي وسياسي- على استخدام مواردها وإعلاء صوتها لدعم شعوبنا التي تعاني من بعض أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم أجمع.
وأتمنى أن يحمل لكم عام 2024 في طياته الخير والبركة، لقد شرفت بحمل لواء خدمة هذا الإقليم وشعوبه، وإنني، إذ أغادر منصبي هذا، أضع ثقتي المطلقة في قيادة الزميلة القديرة الدكتورة حنان بلخي، التي ستخلفني مديرًا إقليميًّا الشهر المقبل، وهي تمتلك من الخبرة والتفاني ما يمكِّنها من أداء هذا الدور، وإنني على يقين في قيادتها للإقليم بكل حنكة واقتدار،
وأود أن أقول لفِرَق المنظمة التي تفانت في عملها على جميع المستويات، وشركائنا الصامدين، وقوانا العاملة الصحية الشجاعة في جميع أنحاء الإقليم - إن جهودكم الدؤوبة قد آتت ثمارها.
وقبل كل ذلك، فإنني أعرب عن خالص امتناني لشعوب الإقليم، إن قدرتكم على الصمود في وجه التحديات وتصميمكم على بناء مستقبل أفضل لأسركم وبلدانكم هو مبعث إلهام لنا جميعًا. وبينما نمضي قُدُمًا، أود أن أؤكد لكم أن منظمة الصحة العالمية تقف إلى جانبكم، وستواصل دعم مسيرتكم نحو النهوض بالصحة والعافية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة