لا احد ينكر دور الدولة المصرية في دعم ومساندة القضة الفلسطينية ؛ حيث يعود هذا الدعم لعقودٍ طويلةٍ بحكم التاريخ والجغرافيا وعلاقات الدم والقومية واشتراك الحدود واستمراره بقوةٍ وترابطٍ للوقت الحاضر، وقد دافعت مصر بقوةٍ وباستمرارٍ، وجعلت القضية بؤرة اهتمامها منذ الانتداب البريطاني عليها واستيطان اليهود بها وقسمت فلسطين الي دولتين فلسطينية ويهودية، وتزايد التوتر وشاركت مصر بحرب 1948م مع الجيوش العربية والتي علي إثرها زاد النفوذ الإسرائيلي وبمرور الوقت ضمت إليها المزيد من الأراضي الفلسطينية خاصة القدس الشرقية والضفة الغربية وهضبة الجولان.
وعلي مدار التاريخ اهتم جميع رؤساء الدولة المصرية بالقضية الفلسطينية حيث قاد الرئيس جمال عبد الناصر حربى 1956، و1976م ضد إسرائيل وعقد مؤتمراً تاريخياً عرف بالالات الثلاثة (لا اعتراف – لا صلح – لا تفاوض)، وقدم دعم متواصل لمنظمة التحرير الفلسطينية واعتبر فلسطين قضية أمنٍ قوميٍ للدولة المصرية، وفي عهد الرئيس السادات رجل الحرب والسلام تحقق السلام بين الدولتين، وطالبت مصر بحل الدولتين وضرورة الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وفلسطين ورجوع إسرائيل للحدود 1976م والتخلي عن الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها وفي مقدمتها القدس الشرقية
وفي عهد الرئيس مبارك رفع شعار الأرض مقابل السلام وتم توقيع اتفاق الحكم الذاتي وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية من المدن الكبيرة، وتم رفع التمثيل الفلسطيني بالأمم المتحدة من مراقب الي عضو شبة دائم، وعقدت عدة مبادراتٍ واتفاقياتٍ لإحلال السلام وإيجاد حلٍ سياسيٍ، ولكن لم يتحقق شيءٌ على أرض الواقع واستمرت معاناة الفلسطينيين.
واستمر الدعم بقوةٍ للقضية الفلسطينية في عهد القيادة السياسية الحالية الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستمرار المساندة واعتبار القضة أمناً قومياً والتمسك بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كما دعمت مصر مناصرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والانتقال من مرحلة تهدئة الأوضاع وطمس الهوية العربية والقومية والسيطرة على الصراع إلي إيجاد حلٍ عادلٍ للقضية وإقامة الدولة الفلسطينية، فتم تكثيف الجهود بقوةٍ لحقيق الهدف المنشود.
وبعد السابع من أكتوبر 2023م وما عرف بطوفان الأقصى، وما تلا ذلك من العدوان الإسرائيلي الغاشم علي أهالي غزة تحت ذريعة الدفاع عن النفس ومارست جميع الانتهاكات التي حرمها القانون الدولي والإبادة الجماعية والتهجير القسري مع تأييدٍ مطلقٍ من المجتمع الدولي؛ والسكوت غير المبرر عن المذابح التي تحدث والسماح لإسرائيل بالاستمرار في غيها وجرائمها والكذب وقلب الحقائق وانتهاك القانون الدولي وجميع الاتفاقيات وحقوق الإنسان، مما أدي إلي تغير المعادلة وعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة و أضحت ببؤرة الاهتمام الإقليمي والعالمي.
وهذا وضع المجتمع الدولي والعديد من الدول وعلي رأسهم أمريكا في موقفٍ حرجٍ وكُشف بصورةٍ جليةٍ ازدواجية المعايير لديهم وانتهاك حقوق الإنسان والتشجيع علي ممارسة العنف والإبادة الجماعية وقتل الشعب الأعزل من (الأطفال والنساء والعجائز والثكالى والشباب)، وتبرير ذلك لإسرائيل والسماح لها بالاستمرار وإمدادها بالسلاح والعتاد والأموال مع تشكيل حائط صدٍ لها بمجلس الأمن والهيئات الدولية، واستخدام حق الفيتو لوقف أي قرار يجرم إسرائيل، وكل هذا شكل وجداناً عالمياً جديداً متعاطفاً ومتضامناً وداعماً للقضية الفلسطينية، وأصبح يشكل قوة ضغطٍ عالميةً علي حكوماتهم لتحقيق السلم والسلام العادلين، وحل الدولتين وضمان للفلسطينيين الشعب الحر الصامد حق تقرير مصيرهم.
وفي هذا الصدد استطاعت دولة جنوب أفريقيا توثيق جرائم الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني لدي محكمة العدل الدولية ورفع دعوة بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، معتبرةً أن الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة، وأنه يوجد خطر أبادةٍ جماعيةٍ وانتهاكاتٍ تخالف جميع الأعراف والقوانيين الدولية من حصار وتهجيرٍ قسريٍ ومنع دخول المساعدات بالقدر الكافي وأن الفلسطينيين في غزة يُقتلون بالأسلحة والقنابل الإسرائيلية والذي منها محرم دولياً من الجو والبر والبحر ومعرضون لخطر الموت المباشر بسبب المجاعة والمرض وانتشار الأوبئة، ومحدودية المساعدات المسموح بدخولها، واستحالة توزيع المساعدات مع سقوط القنابل واستمرار القتال؛ وهذا يجعل الحياة مستحيلة وحثت جنوب إفريقيا محكمة العدل الدولية على إصدار أمرٍ عاجلٍ لإسرائيل بـتعليقٍ فوريٍ لعملياتها العسكرية في قطاع غزة.
كما أن الشعوب العربية والإسلامية والأفريقية لم تتهاون أو تتراخي في دعم القضية الفلسطينية فهي قضية القضايا سواء بالدعم المعنوي والدولي والمادي على كافة المستويات بدايةً من مساندة القضية وبناء وتعمير وتدويل للقضية وتكوين جبهةٍ عالميةٍ فاقت وتجاوزت التوقعات خاصةً خلال العدوان الإسرائيلي الحالي الذي تعدي المائة يوم زادت فيها معدلات القتل والتجويع والتهجير، وفي المقابل قدمت الدولة المصرية والشعب المصري العظيم ملحمةً بمشاركة معظم دول العالم في حشد المساعدات للجانب الغزاوي للحد من معاناة الشعب الفلسطيني.
وبالرغم من ذلك تتعرض الدولة المصرية لحملة تشوية داخلياً وخارجياً من أبواقٍ إعلاميةٍ إسرائيليةٍ وأصحاب الأجندات المغرضة؛ تتهم بعزل غزة ومنع دخول المساعدات وغلق معبر رفح فقد امتهنت إسرائيل من قديم الأزل سياسية الكذب والخداع وقلب الحقائق وانتهاك كل الأعراف والقوانيين في محاولة للهروب من جرائمها التي سجلها الواقع المعاش ووسائل الإعلام المختلفة العالمية قبل الإقليمية والمحلية، وشهادة العديد من الهيئات الدولية ومندوبي الدول المتواجدين بمعبر رفع أو داخل فلسطين وقد شهد القاصي والداني بذلك وأن الدولة المصرية وقيادتها وشعبها سطر ملحمةً في دعم ومساندة قطاع عزة.
وعلي الشعب المصري العظيم الاصطفاف خلف دولته وقيادته السياسية كما عهدناه دائماً، وإدراك حجم التحديات التي تواجه دولته، وما يحاك لها من مؤامراتٍ وشائعاتٍ وتشويهٍ للدور المصري الرائد في دعم القضية الفلسطينية، ودعم جهود الدولة في الحفاظ علي أمنها واستقرارها وإدراك مغبة التحديات والأخطار التي تحدق بدولتنا من جميع الجهات وما يترتب على اتساع رقعت الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إقليمياً ودخول جهاتٍ أخرى بالصراع مما يهدد أمن واستقرار المنطقة والمجتمع الدولي من التداعيات والأثار، خاصةً الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية وغيرها التي تأجج المشاعر وتورث الكره والأحقاد والانتقام للأجيال الحالية والقادمة وهذا يعتبر تحديًا مهمًا في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة والعالم.
ولتحقيق العدالة والاستقرار والسلام والأمن بالمنطقة والعالم، يجب أن يكون هناك إدراكٌ وانتباهٌ كاملٌ للصراعات الموجودة والمحتملة والتوترات الإقليمية والدولية، والتداعيات المترتبة عليها وأن تكون الدول والمجتمعات ملتزمةً بقواعد القانون الدولي ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان ووجود مائدة مفاوضاتٍ وتعاونٍ دبلوماسيٍ بين الدول والمجتمعات المختلفة، لحل النزاعات بشكلٍ سلميٍ وعادلٍ ومستدامٍ.
حفظ الله وطننا وبلادنا العربية والإسلامية والأفريقية وشعوبنا الأبية أبدَ الدهر.
___________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة