رائد علم النفس الاجتماعى الأمريكى الشهير «جوردون ألبورت» وضع يده على حقيقة كيف تدمر الأوطان بالشائعات، وحدد أنواعها وعددها فى كتابه الشهير عن سيكولوجية الشائعات، فى نهاية الأربعينيات من القرن الماضى، وتحديدا أثناء الحرب العالمية الثانية، مؤكدا أن هناك 8 أنواع للشائعات، أمكن حصرها بعدما لاحظ هو ومساعده «وليوبوستمان» أن الشائعات تنتشر أكثر فى وقت الأزمات والكوارث والحروب، وحين يكون هناك غموض اجتماعى.. جوردون ألبورت ومساعده «وليوبوستمان» تأكدا وفق دراسة دقيقة، أن الشائعات من الحروب المعنوية والنفسية، التى تفوق مخاطرها الحروب العسكرية والكوارث الطبيعية، لأنها تنمو فى الأجواء الحبلى بعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة، ما يشكل البيئة الخصبة لانتشارها، وتحقيق الأهداف المرجوة من إطلاقها.
وكشف رائد علم النفس الاجتماعى الأمريكى الشهير، ومساعده، أن هدف حرب الشائعات النيل من العقل والفكر والخيال والوجدان للخصوم، وتضليل الرأى العام، وإثارة الفتنة، وبث الرعب، وتصدير القلق الاجتماعى، وتحطيم وحدة الصف المجتمعى، وزعزعة الأمن، والتشكيك فى الأنظمة والحكومات والمؤسسات، والتسخيف من الإنجازات، وخلخلة توازن الروح المعنوية للمواطنين.
وتوصل العالم الأمريكى ومساعده إلى أن مروجى الشائعات يعانون من خلل وظيفى فى التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والروحية والدينية والفكرية، وهو الوصف الذى يتطابق مع جماعة الإخوان وذيولها من المتعاطفين والفوضويين!
أما الذين يصدقون الشائعات، فأكد «جوردون ألبورت» أنهم يعانون من الانحراف الأخلاقى والفساد الاجتماعى، وهفوات الذات وشهوات العقل، وهنا يتجلى دور وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، بتكاتف مع الحكومة والمؤسسات المعنية، بضرورة نشر الأخبار الصحيحة، ونقل الحقائق الدامغة، خاصة فى وقت الأزمات، مع التصدى لكل شائعة لدحضها وضبطها فى حينها، بواسطة رفع سقف الشفافية والموضوعية، والنهوض بقالب الوعى المهنى والقيمى والاجتماعى.
ونأتى إلى التصنيفات الثمانية التى توصل إليها عالم النفس الاجتماعى الأمريكى ومساعده فى كتابه الشهير عن سيكولوجية الشائعات:
الأولى: الزاحفة.. وتنتشر ببطء شديد، وفى سرية تامة.
الثانية: الاندفاعية.. وتنتشر بسرعة فائقة، ويزداد انتشارها وتوغلها فى وقت الأزمات والكوارث الطبيعية والحروب التقليدية.
الثالثة: الغاطسة.. وهى شائعة معقدة تنتشر فى وقت بعينه ثم تختفى، ثم سرعان ما تعود، وتظل تختفى وتعود وفقا للظروف المماثلة ما بين الماضى والحاضر.
الرابعة: الآملة.. وهى الشائعة التى تبث روح الأمل والتفاؤل لصالح جهة أو فصيل بعينه، وتحديدا فى الأوقات التى تكثر فيها الخيبات، ويكتنفها الغموض وأجواء اليأس والإحباط بين أفراد الفصيل الواحد، أو غضبا منه!
الخامسة: الخيانة.. وهى الشائعة الأكثر خطورة على أمن وأمان الأوطان، وتنتشر بشكل مذهل فى أوقات الحروب، ويكتنفها الغموض والضبابية.
السادسة: التمييزية.. وهى الشائعة التى تحاول زرع بذور الفتنة الطائفية من خلال الانحياز لطائفة ضد أخرى، وديانة وأخرى، وتأجيج الصراع بين أبنائها!
السابعة: المتحولة.. وهى الشائعة التى تتخذ من المعلومة الصحيحة جزئيا، ويجرى تحويرها، لتتخذ مسارا مغايرا!
الثامنة: التخويفية.. شائعة تنتشر فى المناخ القابل لإثارة الخوف والفزع والرعب.
الملاحظ أن هذه الأنواع الثمانية للشائعات اتخذتها جماعة الإخوان وحلفاؤها نبراسا لنهجها، خاصة النوع القائم على تشويه واقعة حدثت فعلا، مع إعادة إنتاجها، وتوظيفها، وأيضا المستندة إلى سوابق حقيقية، أو التى ثبت نجاحها من قبل، ومؤهلة لإعادة الطرح والتكرار، وأيضا شائعات التنبؤ بالمستقبل، والشائعة الأسطورية الخرافية التى تتقاطع أو تتفق مع الثقافة الكامنة السائدة فى مجتمع ما، أو ما يمكن تسميته المزاج العام.
وفى ظل هذا النهج فى نشر الشائعات، واستنادها للعلم، فإن على المجتمع كله حشد جهوده ورفع منسوب الوعى وانتزاع الهالة والقدسية التى أضفاها على مواقع السوشيال ميديا، وصار يتعامل معها باعتبارها حقائق مقدسة لا يجرؤ الباطل أن يقترب منها، وللأسف والوجع أن الإعلام بكل مشاربه صنع من مواقع السوشيال ميديا الافتراضية، واقعا حقيقيا، وأن المذيع يخرج على شاشة قناته ليتحدث عن أن «السوشيال ميديا» تحدثت، والسوشيال ميديا أشارت، والسوشيال ميديا أكدت، والسوشيال ميديا اقترحت، فى تسليم للعقل والمنطق والإرادة ليُذبحوا تحت مقصلة عالم افتراضى، دستوره قائم على كل أنواع الشر، من خيانة وتآمر وتجارة بشر وجهل، إلى آخر قائمة الشر.
الأمر جل خطير، ويحتاج تحصينا عاجلا وقائما على تكاتف مجتمعى، وإعلام يقظ ينشر الحقائق أولا بأول، لأن نار الشائعات إذا اشتعلت فإنها تحرق الأخضر واليابس، وتحرق خيوط تماسك وحدة المجتمع، وتزلزل أمن واستقرار الوطن؟!