تواجه الدولة المصرية تحديات صعبة في ظل تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها السلبية، وفي ظل توتر الأوضاع في المنطقة سواء في السودان أو الحرب في غزة أو ما يحدث في اليمن وغيرها من أحداث ملتهبة في الدول المجاورة، وتلك الأزمات تلقي بظلالها على الأوضاع في مصر خاصة على المستوى الاقتصادي، فرغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال السنوات العشرة الماضية، ورغم إجراءات الإصلاح الاقتصادي والتي كانت قد بدأت تؤتي ثمارها وأدت إلى نمو وتعافي الاقتصاد المصري، فإن الأزمات الاقتصادية المتتالية منذ عام 2020 بجائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها، تسببت في ضغوط اقتصادية كبيرة على مصر.
وفي ضوء تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية وما ترتب عليها من أزمة دولار ونقص العملة الصعبة، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع معدلات التضخم، بات من الضروري البحث عن حلول وبدائل لتعظيم إيرادات الدولة وإدخال العملة الصعبة، ومن المعلوم بالضرورة أن أهم مصادر الدخل القومي والعملة الصعبة في مصر السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج والصادرات المصرية إلى الخارج.
في رأيي أن مصر لديها كنز كبير غير موجود في أي دولة في العالم كمقومات ومقاصد ومعالم هو السياحة، التي تعد الحل السحري لتعظيم الموارد وتوفير النقد الأجنبي إذا ما أحسنت الدولة استغلالها والتسويق والترويج للسياحة المصرية في مختلف الأسواق العالمية لجذب أكبر عدد من السائحين، خاصة أن مصر لديها ما يؤهلها لذلك من قدرات وإمكانيات، وما يبعث الأمل والتفاؤل هو أن تحسن كبير في إدارة هذا الملف في ظل توجيهات القيادة السياسية، مما أسفر عن تحقيق أكبر رقم قياسي في استقبال السياحة الوافدة خلال عام 2023 المنصرم، حيث نجحت مصر في جذب 14.9 مليون سائح، وكسرت الرقم القياسي الأعلى السابق الذي تحقق في عام 2010 وهو 14.7 مليون سائح، بينما كان عدد السائحين في 2022 يتجاوز 11 مليون، وهذه الأرقام دلالتها أن الدولة تسير في الطريق الصحيح.
السياحة تعد من أهم دعائم الاقتصاد وتحقيق التنمية الاقتصادية، وأحد المصادر الرئيسة للعملة الصعبة، وتسهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، إذ يقدر عدد العاملين في القطاع بحوالي 3 ملايين عامل، وهو رقم كبير، وإذا نجحت الدولة في تحقيق خطة الوصول إلى استقبال 30 مليون سائح في 2028، وإنشاء عدد الغرف الفندقية المطلوب لتحقيق هذا المستهدف، حينئذ ستتضاعف العوائد الدولارية من السياحة، وسيتضاعف عدد العاملين في القطاع، بما يساهم في سد الفجوة الدولارية والحد من البطالة.
هذا القطاع الحيوي يعاني من تحديات على رأسها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والطاقة الفندقية، حيث نحتاج إلى 500 ألف غرفة للوصول إلى المستهدف في خطة الدولة لاستقبال 30 مليون سائح في 2028، والموجود حاليا 220 ألف غرفة فندقية، ووفقاً لما أعلنته وزارة السياحة سيتم افتتاح 25 ألف غرفة فندقية خلال العام الحالي، وهى خطوة مهمة لزيادة عدد السائحين، كما تعد مشكلة التمويل من أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين السياحيين، علاوة على وجود فنادق وشركات سياحية متعثرة وغرف فندقية مغلقة، والحاجة إلى تعزيز الوعي السياحي.
مشكلات السياحة تحتاج إلى حلول خارج الصندوق، واستغلال الإمكانيات المتوفرة، والعمل على إيجاد آليات تحقيق التنمية السياحية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والموروث الثقافي من جانب، وبين تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية للدولة من جانب آخر، فوفقا لدراسة دولية حديثة متوقع ارتفاع عوائد السياحة الخضراء في العالم بنسبة 55%، وأن 66% من السائحين والمسافرين يؤكدون أن الاستدامة والسياحة الخضراء عامل أساسي في اختيار وجهاتهم، و64% من السائحين يراجعون المعايير البيئية قبل اتخاذ قرارهم في السفر، و66% منهم أبدى استعدادا أن يدفعوا أكثر مقابل تحقق الاشتراطات البيئية، وهو ما يؤكد تزايد الاهتمام بالسياحة الخضراء.
مصر لديها موارد متعددة يمكنها الاستفادة منها، لكن لايزال هناك العديد من الجهود التي يجب بذلها في هذا المجال، والدراسة تؤكد أن عدد من السائحين وضعوا مصر بين الوجهات الأكثر اهتماما بالسياحة الخضراء، هذا فضلاً عن تنامي أحد الأنماط السياحية المرتبطة بالسياحة الخضراء والمستدامة وهو السياحة البطيئة، وهى من أهم الأنماط السياحية حاليا، ومعظمه سياحة فردية ومعدل إنفاق السائح أعلى ومدة إقامته أكبر وطبيعة الوجهات أيضا.
بكل تأكيد لا يزال هناك جهود كبيرة يجب بذلها طبقا لخطط استراتيجية واضحة ومحددة الوقت والأهداف والإجراءات، وهناك ضرورة لتعزيز إجراءات الاستثمار في المشاريع السياحية المحلية، وأن تتحول مصر إلى الوجهة الأفضل في الشرق الأوسط، وضرورة الحفاظ على الأصول الثقافية والطبيعية والمواقع التاريخية غير المستكشفة وإرث مصر الطبيعي في مختلف المحافظات، وضرورة تعزيز التجربة السياحية بكل جوانبها، وأن تضع الدولة استراتيجية واضحة بأهداف محددة لتشجيع وتنمية السياحة الخضراء والمستدامة.
منذ أيام ناقشنا هذا الملف الحيوي في مجلس الشيوخ واقترحت إطلاق مبادرة VISIT ME IN EGYPT، بكل بساطة نحن كمصريين نشارك فيها وندعو من نعرفهم في أي دولة أخرى لزيارة مصر والترويج للسياحة المصرية والتعريف بمعالمها ومقاصدها، هذه المبادرة يمكن تحقيقها بسهولة وجذب 10 ملايين سائح على الأقل لمصر"، فأحد أهم الاهتمامات والتوجهات الحديثة في السياحة عموما والسياحة المستدامة بشكل أكثر دقة هو الاطلاع على ثقافة السكان المحليين والاحتكاك بها، وبالتالي يجب إدراك أهمية تعزيز الوعي السياحي لدى المواطن المصري، وترك المساحة للسائح للاحتكاك والتعايش مع المجتع المحلي.
هذه المبادرة ترتكز على الاستفادة من منصات السوشيال ميديا التي نجلس عليها ليلاً ونهاراً، فهى غير مكلفة، نحن لدينا 45 مليون حساب نشط على السوشيال ميديا، نفترض معرفة 10 ملايين منهم بلغة أجنبية والنسبة تزيد عن ذلك، ماذا لو أطلقنا مبادرة عالمية تحت شعار (Visit Me in Egypt) – يمكن لكل شخص منهم الترويج لمصر لصديق أجنبي واحد على الأقل، والترويج لثقافتنا المحلية المتعددة ووجهاتنا المتعددة، وذلك سيعزز من الوعي السياحي وإدراك أن السياحة أحد الحلول العاجلة والسحرية، وأتمنى أن تدرس الحكومة هذه المبادرة وتبدأ في التنسيق مع كافة المؤسسات المعنية لتدشينها وإطلاقها ودعوة المصريين للمشاركة فيها.
كل الجهود التي تبذلها الدولة لدعم السياحة مقدرة ونتمنى المزيد، وضرورة وضع استراتيجية لتنمية وتنشيط السياحة بكل أنماطها لجذب أكبر عدد من السائحين، وتشجيع الاستثمار في السياحة وتعزيز المشاركة مع القطاع الخاص، نحتاج إلى خطة تسويقية واضحة وتنويع الأسواق المستهدفة، نحتاج لتشجيع وتنشيط السياحة الداخلية والثقافية والبيئية والدينية والعلاجية والثقافية والاستشفائية، وتشجيع سياحة المهرجانات والمؤتمرات واليخوت وسياحة السفاري.
أيضاً علينا الاهتمام بالنقل السياحي، والربط بين المقاصد السياحية، وتعزيز التكامل بين قطاعي السياحة والطيران، بالإضافة إلى تدريب وتثقيف العاملين في قطاع السياحة على كيفية التعامل مع السائحين، وتعزيز الوعي السياحي لدى المواطن والتوعية بحسن معاملة السائح وعدم استغلاله للقضاء على السلبيات التي يواجهها، فضلاً عن الاطلاع على التجارب الناجحة في جذب السياحة خاصة في المنطقة والدول المجاورة للاستفادة منها، وحسن استغلال ما لدينا من ثروة كبيرة تتمتع بها مصر من معالم ومقاصد سياحية وطبيعية حباها الله عز وجل بها وغير متوفرة في معظم دولة العالم، لوضع مصر في مكانتها اللائقة على خريطة السياحة العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة