بيشوى رمزى

الأونروا وأزمة التمويل.. وإرهاصات استهداف المنظومة الأممية

الأربعاء، 31 يناير 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما ليس من المنصف، أن نعتبر أن الحالة الدولية المترهلة، تكشفت خلال أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة، فهناك العديد من الإرهاصات، التي تعود إلى حوالي عقدين من الزمان، كانت كاشفة إلى حد كبير، لحقيقة مفادها أن النظام الدولي الذي أرسته الحرب الباردة، لا يمكنه الصمود، في ظل حالة انعدام التوازن، جراء الهيمنة الأحادية لقوى واحدة، وهي الولايات المتحدة، ربما أبرزها تجاوز واشنطن للشرعية الدولية، إبان غزوها للعراق، رغم رفض مجلس الأمن الدولي، ناهيك عن الانقسامات التي ضربت العالم، خلال العديد من التحديات والأزمات، والتي تصاعدت تدريجيا، بدءً من الأزمة المالية في 2007، مرورا بالموقف من شبه جزيرة القرم في 2014، والوباء في 2019، وحتى الأزمة الأوكرانية في 2022، بينما تبقى القضية الفلسطينية الشاهد الأكبر على "الترهل" الدولي منذ بداية حقبة الأحادية، والتي تزامنت مع اتفاقية أوسلو، وما تلاها من مبادرات دارت في معظمها حول حل الدولتين، دون تطبيق لأكثر من 30 عاما.
 
إلا أن أزمة غزة، في واقع الأمر، تمثل مرحلة مهمة في تاريخ الحقبة الدولية الراهنة، ليس فقط باعتبارها تمثل ذروة الانقسام بين معسكرين، أحدهما داعم للحق الفلسطيني، والأخر موال للدولة العبرية، وإنما أيضا في حجم التأثير الذي باتت تشكله القيادة الدولية الحاكمة للعالم، وهي الولايات المتحدة، في ضوء تغيير نسبي في مواقف الغرب الموالي لها من جانب، بالإضافة إلى عجزها الكلي على التأثير في المحيط الدولي الأكثر اتساعا، وانتزاع مواقف من شأنها تعزيز موقف إسرائيل، أو على الأقل تحييد المناوئين لها، وهو ما يبدو في خطوة جمهورية جنوب أفريقيا، والتي آثرت الدخول بنفسها على خط المواجهة مع دولة الاحتلال، أو مواقف عدة قوى أوروبية مؤثرة، على غرار إسبانيا وبلجيكا، ناهيك عن قيادات مؤثرة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، وهو ما ساهم في تحويل "الفيتو" الأمريكي من مجرد ورقة رابحة للولايات المتحدة، إلى "عبء" من شأنه التحول عنها، وتأجيج الرغبة في الاستقلالية لدى قطاع كبير من دول العالم، وهو ما يبدو في كافة مراحل التصويت الأخيرة داخل الأمم المتحدة، سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن، في ظل اكتساح المواقف الداعمة لوقف إطلاق النار.
 
والحديث عن "الفيتو" الأمريكي، وعجزه عن إضفاء الشرعية على مواقف إسرائيل المتعنتة، ربما يطرح العديد من التساؤلات حول إصلاح المنظمة الدولية، والذي يعد أحد أكثر القضايا التي قتلها البحث، وأجهزت عليها المبادرات، منذ حقبة الأمين العام الأسبق، الدكتور بطرس غالي، وبالتالي فلن يكون لدينا الكثير من الإضافة عليه، بينما يبدو جانبا آخر، يتجسد في علاقة الدول، بالمنظومة الأممية، على مسارين متوازيين، أولهما يرتبط بانعدام ثقة القطاع الأكبر الداعي للإصلاح في قدرتها على تحقيق السلم والأمن الدوليين، بينما يدور المسار الآخر، حول الدول التي استفادت من المزايا الأممية لتمرير رؤيتها وفرضها على العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفائها، في ضوء افتقاد القرارات الصادرة عنها لـ"الشرعية"، على خلفية رفض الأغلبية العظمى لتلك القرارات، وعدم قدرة واشنطن على ثني المخالفين لها عن التصويت ضدها، أو حتى تحييدهم عبر إقناعهم بالامتناع عن التصويت.
 
وهنا باتت المنظومة الأممية في مواجهة صريحة، ليس فقط مع دعاة الإصلاح، بل على العكس، تبقى المواجهة الأشرس مع التيار الآخر، والذي استفاد كثيرا من العديد من المزايا، وإن كان ليس بصورة مباشرة، وهو ما يبدو على سبيل المثال، في الحملة الممنهجة التي تشنها إسرائيل على الأمم المتحدة، منذ بداية العدوان على غزة، وتحديدا منذ تصريحات أمينها العام أنطونيو جوتيريش، حول مسؤولية الاحتلال عما آلت إليه الأمور في الأراضي المحتلة، وما ترتب عليه من تهديدات لأمنها، تجلت في أبهى صورها في طوفان الأقصى، بينما أصبحت وكالاتها أحد أبرز أهداف العدوان، سواء ميدانيا، عبر استهداف مقراتها، أو التضييق عليها سياسيا، أو تمويليا.
 
ولعل استهداف الأونروا، من قبل الاحتلال، ليس بالأمر الجديد تماما، ولكن تبقى الاستجابة الدولية الكبيرة، فيما يتعلق بوقف تمويلها، من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها، بمثابة مؤشرا مهما، باستهداف ليس فقط الوكالة الداعمة للاجئين الفلسطينيين، وإنما المنظومة الأممية برمتها، خاصة إذا ما نظرنا بعناية إلى الكثير من المعطيات السابقة، والتي تتجاوز في نطاقها الزمني مجرد العدوان على قطاع غزة، منها على سبيل المثال، خطوات واشنطن بالانسحاب من منظمات تعمل تحت المظلة الأممية، على غرار اليونيسكو، واتفاقية باريس، وهي ما تمثل إرهاصات مهمة لانقلاب أمريكي على المنظومة، حتى وإن عادت لها بعد ذلك مع وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة مجددا في 2021.
 
 وفي الواقع، يبدو استهداف المنظومة الأممية، من قبل القوى الكبرى، هو بمثابة محاولة صريحة لاستباق انهيار الحقبة الدولية، والعمل على صياغة البديل، بالنهج الذي يروق لهم، وهو ما يمثل إعادة لسيناريو ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما نجحت الولايات المتحدة، في قيادة العمل الدولي لخلق بديل "عصبة الأمم"، عبر تدشين ميثاق المنظومة الوليدة من مؤتمر سان فرانسيسكو، وبناء مقرها في نيويورك، ليكون بمثابة إعلان عن قيادة أمريكا للعالم، وهو ما تحقق تدريجيا، وصولا إلى الهيمنة المطلقة في التسعينات.
 
وهنا يمكننا القول بأن الأمم المتحدة باتت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اتخاذ نهج الإصلاح الذي طالما دعت إليه العديد من الدول، خلال العقود الماضية، أو الانهيار المطلق، خاصة مع استهدافها من أقرب القوى التي استمتعت بمزاياها، وهو ما يمثل بعدا مهما لتغييرات جذرية في المنظومة الدولية، وتغيير كبير في الحقبة العالمية الراهنة، مع صعود قوى جديدة، من شأنها مزاحمة الهيمنة الأحادية الأمريكية.
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة