فى أوقات الألم تندثر الأحلام ويتوه التفكير فى الماضى والمستقبل، وينعدم التركيز إلا على الواقع الذى نحيا فى كنفه، وهى الحالة التى يزداد المرء انعزالاً بعيدًا عن ضجيج الحياة وروادها، تلاشيًا لسماع أصوات مقرعة، ونصائح معلبة، ومزايدات فى ظاهرها الخير وتأثيرها مميت، وفى المثل الشعبى يقولون "الضرب فى الميت حرام".
بعض الكلمات التى نسمعها خلال أوقات الانيهار تؤدى نفس نتيجة لمس المشارط لمواضع الجرح، حينها يزداد صراخ المجروح، ولا يدرى الطبيب حجم الألم الذى ينخر فى جسد المريض، فالممسك بالمشرط غير المستقبل لشفراته الحادة التى تمر على الجرح كالنار فى الحطب.
فى أوقات الانهيار لا نحتاج كلمات التأنيب ورسائل المزايدات ونصائح خارج حدود الواقع، يتلفظ بها من لا يعيش التجربة بنفسه، ويقيس الألم بمقياس الجالس على شط النجاة، بينما المنغمس فى الوحل هو وحده الذى يعلم حجم المعاناة، ويقدر حدودها، وتأثيرها ومدة بقائها.
جميعنا صامدون أقوياء فى أوقات الرخاء، ضعفاء منهزمون فى أوقات الطعنات، ما يستوجب قياس الجراح بمقياس المتألم، لا بمقياس الممسك بالمشرط على الجرح أما القابض بإبراة المخيط ليحاول لملمة القطع بخيط غليظ يزيد الألم ولا يُسكِّنه، فكونوا رفقاء بالمطعونين يا رفقاء.