فى نهاية شهر أكتوبر الماضى، ووسط تصعيد الحكومة الإسرائيلية من حربها الوحشية فى غزة، والتى طالت الحرث والنسل، ولم ترحم صرخات طفل، ولا أنين امرأة ولا عجز شيخ طاعن فى السن، حذرنا حينها - فى مقال فى نفس المساحة - من أن نتائج الحرب لن تفضى إلى انتصار إسرائيلى خالص، وأن خسائر تل أبيب ستكون فادحة وفاضحة، أبرزها ردة الفعل الساخطة والغاضبة من الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، بجانب حالة التعاطف مع الأشقاء الفلسطينيين فى الإقليم كله، فى حالة امتدت عالميا.
وهو ما صار حديثا ساخنا الآن فى مناقشات غالبية الشعب الإسرائيلى قبل نخبته، واليقين بأن الحرب على قطاع غزة ومحاولة تصفية القضية، والتهجير القسرى لمن لم يطله الموت، أعاد شحن بطاريات كراهية إسرائيل، وترسيخ وضعها فى جدول ترتيب أعداء الأمتين العربية والإسلامية لتحتل قمة الدول المعادية، فبينما الأجيال الجديدة لم تضع - من بين مقدمة أولوياتها - قبل الحرب، قضية الصراع العربى الإسرائيلى، بفعل عوامل الزمن، من ناحية، والهدوء النسبى رغم هشاشته، وسياسة ضبط النفس ومحاولة الجنوح نحو السلام، ومحاولات إعادة العلاقات الطبيعية بين تل أبيب وعواصم دول المنطقة، جاءت القرارات الغاضبة بالحرب البربرية، لتوقظ الشعور القومى لدى الأجيال العربية الجديدة، ووضع القضية الفلسطينية فى بؤرة اهتماماتهم.
من هذا المنطلق فإن أصدقاء إسرائيل قبل الحرب الوحشية على غزة، شىء، وبعدها شىء آخر، فالجميع بدأ يتحسس مسدساته، وأصابهم وباء الرعب من فكرة استمرار مد جسور الصداقة، ومحاولة إيجاد أى وسيلة من وسائل التواصل، ونفس الرعب يصيب النخب السياسية ومعظم الشعب الإسرائيلى من العزلة الشديدة من الجيران والأصدقاء، بعدما كانت قد وصلت لمرحلة متقدمة فاقت توقعات إسرائيل ذاتها.
«ليس اليوم كالبارحة»، جملة يرددها أصدقاء إسرائيل، ويتساءلون ما هو النظام القادر أن يسير عكس اتجاه غضب شعبه بالدرجة الأولى، وشعوب المنطقة بشكل عام، ليمد حبال الود وتطبيع العلاقات مع تل أبيب، وتحديدا فى ظل الحكومة الحالية؟١
الإجابة عن هذا السؤال فى قوالبها المختلفة - سواء قالب الحكمة والعقل والمنطق، أو قالب الدبلوماسية، أو حتى قالب المشاعر - تكمن فى أن حكومة بنيامين نتنياهو، بحربها الوحشية على قطاع غزة، نجحت بجدارة فى إيقاف قطار رغبتها فى إعادة العلاقات الطبيعية مع الشعوب العربية، ومع كل ساعة تمر على هذه الحرب، يرتفع منسوب السخط والغضب والكراهية فى صدور الشعوب العربية.
فعلى سبيل المثال، الشعب المصرى عن بكرة أبيه - وفى القلب منه الأجيال الجديدة - اصطف خلف قيادته السياسية، وأعلن غضبه من الطرح المسرب بتصفية القضية الفلسطينية وإعادة عجلة الزمن للوراء من خلال إحياء الفكرة العنصرية المقيتة «أرض بلا شعب.. لشعب بلا أرض» لإقامة الدولة العبرية.
وبتقييم موضوعى للحرب الوحشية على قطاع غزة، سياسيا ودبلوماسيا وشعبيا، نستخلص نتائج معقدة، جميعها خسائر فادحة لإسرائيل وشعبها، بدءا من إعادة زرع السخط والغضب والكراهية فى صدور الأجيال المختلفة فى مصر وبقية الدول العربية، والغضب الشعبى الإسرائيلى خاصة اليسار، من اليمين المتطرف، وأنهم ورطوا إسرائيل بقرارات غاضبة غير محسوبة، أعادت الأوضاع إلى «المربع صفر»، وأوقفت محاولات إعادة العلاقات الشعبية مع الشعوب العربية.
لكن تبقى النتيجة الأبرز لهذه الحرب، هى إعادة العزلة الشديدة لإسرائيل، وإيقاف قطار العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، والذى كان يسير بسرعة كبيرة، مع فرض عزلة إجبارية على تل أبيب وإحاطتها بسخط شعبى مذهل يفوق الغضب الناجم من نتائج كل الحروب التى خاضها العرب مع إسرائيل عبر تاريخها، وهو ما صنعته حكومة نتانياهو بيدها لا بيد عمرو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة