غضب الكثيرون من الانفعال المبالغ فيه والحدة والشراسة التي بدت عليها مذيعة قناة Talk TV البريطانية في حوارها مع الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، وهو سياسي شهير وطبيب درس في جامعة ستانفورد الأمريكية وجامعة كوبان الطبية الروسية والجامعة الروسية لصداقة الشعوب ، ويجمع بين دراسة الطب والإدارة والفلسفة، وهو أحد مؤسسي حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وكان له دور بارز في الوساطة بين حركة فتح وحركة حماس في أوائل الألفية ، مما أدى لتشكيل حكومة وحدة وطنية عام ٢٠٠٧ ، عُين فيها وزيراً للإعلام.
لكن الدكتور البرغوثي فوق كل هذا يحمل الفكر الفلسطيني المعتدل التوافقي ، كما انه يلقى قبولا بين الأطراف الفلسطينية، لهذا كانت ردّة الفعل الغاضبة والواسعة التي دعت الكثيرين لإرسال شكاوى إلى القناة التي تعمل بها المذيعة چوليا هارتلي داعين إلى طردها ، بعد ما قامت به ، والتي خرجت عن كل مقتضيات عملها وعن أبسط قواعد العمل الإعلامي .
أعتقد أن ما فعلته هذه السيدة هو مزايدة رخيصة لاسترضاء اللوبي الصهيوني الكبير الذي يتغلغل في كل مكان في العالم خاصة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، معتقدة أن هذا السلوك وسيلتها لاسترضاء هذا اللوبي ، واسترضاء تيار آخر في الغرب تأثر على مدى عقود بصورة مشوهة للقضية الفلسطينية وللثقافة العربية، وتلك المزايدة هي أسلوب اعتاد عليه الغرب منذ سنوات طويلة مع بداية النكبة حتى يظل هذا الكيان قائما بيننا بعد أن لفظوه وتخلصوا منه وابتلوا به الوطن العربي ، أموالا كثيرة وجهود كبيرة طوال هذه السنوات قد بُذلت من أجل ترسيخ تلك الصورة المشوهة .
ما فعلته تلك السيدة من إرهاب من المؤكد انه يقع تحت طائلة القانون ، خاصة بعدما اتهمت البرغوثي ضمنا بنظرته الدونية للمرأة، ونحت بالحديث منحى غير ما يجب أن يكون عليه، وهي في نفس الوقت استخدمت نفس وسائل الضغط التي اعتاد الغرب على استخدامها أمام أي صوت قد ينجح في توصيل الصورة الحقيقية بمنطق معتدل عقلاني ، ولأنها لم تستطع الرد على منطق الدكتور البرغوثي فقد استحضرت من جعبتها الصورة القديمة للمرأة العربية التي صدّرها الغرب عن العرب والمسلمين وكيفية معاملتهم للنساء في محاولة فاشلة لصبغ الحوار بصبغة ذكورية .
لكن الحقيقة أننا قبل أن نغضب من تلك السيدة التي أصابها الجنون أكثر مما أصابها الغضب علينا أن نفكر في عدة أمور ، أهمها انه قد آن الأوان للعمل على إصلاحها وتغييرها، وهذا الإصلاح وهذا التغيير لا يجب أن يكون شكلياً فيما يخص النظرة الرجعية لأوطاننا وللدين الإسلامي، وهو ما حذر منه الكثير من المفكرين والمستنيرين في عالمنا العربي والإسلامي على مدى سنوات طويلة ، وعلى الرغم من كل الجهود الفردية والمجتمعية لتحسين تلك الصورة لكنها ظلت متأصلة لأسباب عديدة أهمها عدم الجدية في نشر الحقائق من ناحية، ثم ما يجري على يد الجماعات المتطرفة من ناحية أخرى، والتي مازالت مستمرة حتى الآن في أفغانستان وباكستان ودول إسلامية يسيطر عليها جماعات تشوه الدين الإسلامي وتقدم صورة لا صلة لها بتعاليمه ، كل هذا ونحن غافلون حتى أصبحت تلك الصورة هي السلاح الذي يُستخدم إذا ما احتد النقاش حول حرية شعب كامل .
صحيح انه باطل يضرب الحق في مقتل لكن مع الأسف هذا هو الواقع الذي يواجه العرب والمسلمين، حتى يغيَّبوا القضية الأساسية وهي قضية الاحتلال الغاشم الذي يرتكب المجازر أمام أعيننا والمجتمع الدولي يغض الطرف ويريد أن يعلق تخاذله على شماعة النظرة الدونية للمرأة. قضايا كثيرة تحتاج جهودًا جادة للعمل عليها قبل أن نغضب ، بعد أن ثبت مع الأيام أن كل الأمور متصلة ولا شيء يحدث مصادفة!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة