عندما تواجه الفتيات والسيدات في أي مجتمع ظاهرة التحرش جسديا كان أو لفظيا تتراوح ردود أفعالهن حسب شخصية كل واحدة، فهناك من تستطيع أن تفضح المتحرش وتنكل به أمام الناس وتعلمه درسا في الأدب بعد أن تكون قد أخذت حقها ، والأخرى تنسحب وتبعتد خوفاً ورعباً ، وغيرها تلزم الصمت خوفا مما يمكن أن يعود عليها من المتحرش أو حتى ممن يتعاطفون معه .. نعم يتعاطفون معه هو على حساب السيدة أو الفتاة ، لأن أمراضا كثيرة تنخر في جسد مجتمعنا .
كل هذه النماذج مرت على كثير منا في مواقف ومجالات كثيرة وفي طبقات وأماكن ومجتمعات وأعمار مختلفة ، لكن أكثرها بشاعة هو ما نشر مؤخراً حول مجموعة من شباب أطباء الأسنان الذين فضحوا أنفسهم بأنفسهم ، ولو لم أكن قد استمعت بأذناي لحديثهم المتدني غير الأخلاقي ما كان يمكنني أن أصدق ما سمعت ولا استوعبته.
لقد كانوا يتبارون ويشرحون كيف يتحرشون بالمريضات اللاتي وثقن بهم ووضعن أنفسهن بين أيديهن اعتماداً على شرف وقدسية مهنة الطب المقدسة ، ولكن هؤلاء الشباب الذين أتمنى أن يكونوا منتحلين لصفة الطبيب قد تلفظوا بألفاظ وفعلوا أفعالا لا يمكن أن تصدر إلا من هؤلاء الصبية الذين يظهرون في المناسبات والأعياد أمام دور السينما ليتحرشوا بالفتيات ، وقد تنبهت لهم الدولة واتخذت تدابيرها حتى كادت هذه الظاهرة أن تختفي ، لكنها بكل أسف قد أطلت علينا مؤخراً على يد هذه المجموعة الضالة ، التي لا أعرف ما هو شعور آبائهم وأمهاتهم وعائلاتهم بعد أن فرحوا بنجاحهم وانتمائهم لمهنة عظيمة تمنحهم مكانة اجتماعية معتبرة تمكنهم من الترقي الاجتماعي والمادي والعلمي ، وقد تركوا كل ذلك ليغوصوا في الوحل ضاربين عرض الحائط بكل من ورائهم من أهل .
الأمر الآخر ، كيف تربى هؤلاء وعلى أي قيم ومبادئ وأخلاق ؟ وكيف دنسوا القسم الذي أقسموا عليه ، وكيف تحولوا من ملائكة رحمة إلى شياطين ومجرمين ، فإذا لم تكن أسرهم قد قامت بواجبها في تربيتهم وتعليمهم الأخلاق والقيم ، فلابد أن يكون للكليات التي تخرجوا منها دور في تخصيص مواد تعلم الأخلاق والقيم والدين ، فمن الواضح أن بعض الأسر قد أصبحت عاجزة عن تربية الأبناء.
أعتقد أن المجلس القومي للمرأة عليه دور كبير في تشجيع الفتيات على اتخاذ خطوات جادة وإيجابية نحو حماية أنفسهن وحماية غيرهن في مواجهة هذه النوعية من المتحرشين ، الذين يحتلون مناصب محترمة تبدو رفيعة بينما هي مجرد واجهة كاذبة ، ومن يزاولها مجرد مجرمين استحلوا أعراض فتيات وسيدات وضعهن القدر بين أيديهم القذرة .
طوال حياتي وحتى الآن أعرف حكايات مرت عليّ لسيدات فضليات في مناصب معتبرة ، وفتيات صغيرات يخجلن أن يصرحن بما يتعرضن له ، ولا يمكنهن حتى البوح بما يواجهن ، وأحيانا يتحول التحرش إلى ضغط ثم ابتزاز لا قبل للسيدة به ، وهذا أمر خطير مؤلم، لكن الأكثر ألما هو أن تتعرض السيدة أو الفتاة لهذا من طبيب وثقت به ولجأت إليه لتخفيف ألمها وعلاجها ، فإذا به ينتهك جسدها .
لقد تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية خبر تحرش عدد من أطباء الأسنان الشباب بعدد من المريضات ، ونشرت توعد النقابة بعقاب رادع يصل إلى الشطب ، ولعل هذا أقل إجراء يمكن أن يتم اتخاذه فالأمر يحتاج ما هو أكثر ، ولكن لابد من إلزام الطبيب بوجود أحد أطقم التمريض أو المساعدين ليس لدى طبيب الأسنان فقط ولكن أي طبيب يقوم بالكشف على مريضة يجب أن يصاحبة أحد ، وأن تكون العقوبات ليست رادعة فقط ولكن مخيفة لمن تسول له نفسه الاعتداء على الحرمات.