في ظل الثورة الرقمية والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخبار الكاذبة والشائعات من أخطر الجرائم التي تواجهها الدول، حيث تستخدم هذه الأخبار لتوجيه الرأي العام وزعزعة الاستقرار الأمني والاجتماعي. يُعد نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات أحد الأدوات التي يلجأ إليها الخارجون عن القانون لاستهداف مؤسسات الدولة والمساس بأمنها القومي. ويتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة ومغلوطة بهدف التأثير على الشباب وزعزعة الثقة في المؤسسات الوطنية.
ويمكن حاليا لأنظمة الذكاء الاصطناعي AIالمتقدمة إنشاء محتوى مزيف بشكل دقيق يشبه الواقع، مثل الصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية المعروفة باسم "التزييف العميق" (Deepfakes). كما يمكنها تحليل البيانات الضخمة Big Data لتحديد الفئات الأكثر عرضة للتأثير ونشر المعلومات المضللة بشكل مستهدف، مما يزيد من صعوبة كشفها والسيطرة عليها.
ولقد شهدت العديد من الدول، ومن بينها مصر، تصاعدًا ملحوظًا في هذه الأنشطة الضارة التي تهدف إلى إثارة الفتن والتحريض على العنف. يلجأ بعض المجرمين إلى استغلال صفحات التواصل الاجتماعي لنشر أخبار محرضة ومغلوطة حول مؤسسات الدولة، مما يخلق حالة من الذعر والبلبلة بين المواطنين. وهذا يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي، حيث يمكن أن تؤدي هذه الأخبار الكاذبة إلى تدمير النسيج الاجتماعي وزرع الشكوك في نفوس المواطنين تجاه مؤسسات الدولة.
ولمواجهة هذا الخطر المتزايد، تكثف الدولة المصرية جهودها الأمنية والقضائية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم والمحرضين عليها. تعمل مؤسسات الدولة الأمنية، مثل وزارة الداخلية، بالتعاون مع الأجهزة القضائية والنيابة العامة على متابعة هذه الأنشطة الضارة وتتبع القائمين عليها. كما يتم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق مرتكبي هذه الجرائم لضمان حماية المجتمع والحفاظ على استقراره.
وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، جاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات المصري رقم 175 لسنة 2018 ليكون إحدى الأدوات القانونية المهمة التي تسهم في مكافحة نشر الأخبار الكاذبة والشائعات. وتحديدًا، تناول القانون في المادة 25 منه جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي، وأكد على معاقبة كل من يقوم بنشر أو مشاركة معلومات صحيحة أو كاذبة تنتهك الخصوصية عبر الإنترنت بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و بغرامة لا تقل عن خمسين الف جنيه و لا تجاوز مائة الف جنيه او بإحدى هاتين العقوبتين.
ويهدف قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية إلى حماية المجتمع المصري من المخاطر التي قد تنشأ عن الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا، ويشكل هذا القانون جزءًا من استراتيجية شاملة تنتهجها الدولة المصرية لمكافحة الجرائم الإلكترونية وضمان استخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة ومفيدة.
كما تضمن قانون العقوبات فى المادة 80 د منه عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.
كما تنص المادة 102 مكرر من ذات القانون على أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز مائتي جنيه كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
ويعاقب بذات العقوبة كل من حاز بالذات أو بالواسطة أو أحرز محررات أو مطبوعات تتضمن شيئاً مما نص عليه في الفقرة السابقة إذا كانت معدة للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها، وكل من حاز أو أحرز أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية مخصصة ولو بصفة وقتية لطبع أو تسجيل أو إذاعة شيء مما ذكر
في النهاية، فإن نشر الأخبار الكاذبة والشائعات يمثل جريمة خطيرة تتطلب تعاونًا فعّالاً بين مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع للتصدي لها وملاحقة مرتكبيها.
رئيس الجمعية الدولية لمكافحة الجريمة السيبرانية بفرنسا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة