سيد الشهداء.. كيف وصف عباس العقاد مشهد استشهاد الإمام الحسين؟

السبت، 12 أكتوبر 2024 05:00 م
سيد الشهداء.. كيف وصف عباس العقاد مشهد استشهاد الإمام الحسين؟
محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر اليوم ذكرى استشهاد سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة كما وصفه النبي محمد صلي الله عليه وسلم، الإمام الحسين بن على بن أبى طالب كرم الله وجهما، وأصحابه وأهل بيته، على يد قتلته من بنى أمية فى معركة كربلاء يوم عاشوراء، حيث قُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر، وطعنه سنان بن أنس واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء.

ووصف الأديب الكبير عباس العقاد في كتابه "أبو الشهداء.. الحسين بن علي" مشهد استشهاد الإمام الحسين كرم الله وجه، مشيرا إلى أن الحسين أراد— وقد علم أن التسليم لا يكون — أن يبقى للموت وحده، وألا يعرض له أحدًا من صحبه، فجمعهم مرة بعد مرة، وهو يقول لهم في كل مرة: "لقد برَرْتم وعاونتم والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحدًا، فإذا جنَّكم الليل فتفرقوا في سواده وانجوا بأنفسكم".

فكأنما كان قد أراد لهم الهلاك ولم يرد النجاة، وفزعوا من رجائهم إياه كما يفزع غيرهم من مطالبتهم بالثبات والبقاء، وقالوا له كأنهم يتكلمون بلسان واحد: "معاذ الله والشهر الحرام، ماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم؟ أنقول لهم: إنا تركنا سيدنا وابن سيدنا وعمادنا، تركناه غرضًا للنبل ودريئة للرماح وجزرًا للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة؟ معاذ الله، بل نحيا بحياتك ونموت معك"، قالوا له: نموت معك ولك رأيك. ولم يخطر لأحد منهم أن يزين له العدول عن رأيه إيثارًا لنجاتهم ونجاته، ولو خادعوا أنفسهم قليلًا؛ لزيَّنوا له التسليم.

وكانت فئة الحسين صغيرة، وقد رصدت لها هنالك تلك الفئة الكبيرة التي تناقضها أتم ما يكون التناقض بين طرفين، وتباعدها أبعد ما تكون المسافة بين قطبين، فكل ما فيها أرضي مظلم مسفٌّ بالغ في الإسفاف، وليس فيها من النفحة العلوية نصيب.

وكان مع الحسين نخبة من فرسان العرب كلهم له شهرة بالشجاعة والبأس وسداد الرمي بالسهم ومضاء الضرب بالسيف، ولن تكون صحبة الحسين غير ذلك بداهة وتقديرًا لا يتوقفان على الشهرة الذائعة والوصف المتواتر؛ وقد بدأ القتال بهجوم الخيل من قبل جيش ابن زياد، فأشرع أصحاب الحسين لها رماحهم، وجثوا على الركب ينتظرونها، فلم تقم الخيل للرماح، وأوشكت أن تجفل مولية بفرسانها.

وعجزت خيل القوم مع كثرتها عن مقاومة خيل الحسين، وهي تنكشف كل ساعة عن فارس قتيل، فبعث عروة بن قيس مقدم الفرسان في جيش ابن زياد يقول لعمر بن سعد: «ألا ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة؟ ابعث إليهم الرجال والرماة.» فبعث إليه بخمسمائة من الرماة وعلى رأسهم الحصين بن نمير، فرشقوا أصحاب الحسين بالنبل حتى عقروا الخيل وجرحوا الفرسان والرجال.

واستهدف الحسين — رضي الله عنه — لأقواس القوم وسيوفهم، فجعل أنصاره يحمونه بأنفسهم، ولا يقاتلون إلا بين يديه. وكلما سقط منهم صريع، أسرع إلى مكانه من يخلفه؛ ليلقى حتفه على أثره.

ثم سقط الثلاثة الذين بقوا معه، فانفرد وحده بقتال تلك الزحوف المطبقة عليه، وكان يحمل على الذين عن يمينه فيتفرقون، ويشدُّ على الخيل راجلًا ويشق الصفوف وحيدًا، ويهابه القريبون فيبتعدون، ويهم المتقدمون بالإجهاز عليه ثم ينكصون؛ لأنهم تحرجوا من قتله، وأحب كل منهم أن يكفيه غيره مغبة وزره، فغضب شمر بن ذي الجوشن وأمر الرماة أن يرشقوه بالنبل من بعيد، وصاح بمن حوله: ويحكم! ماذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم.

فاندفعوا إليه تحت عيني شمر مخافة من وشايته وعقابه، وضربه زرعة بن شريك التميمي على يده اليسرى فقطعها، وضربه غيره على عاتقه فخر على وجهه، ثم جعل يقوم ويكبو وهم يطعنونه بالرماح ويضربونه بالسيف حتى سكن حراكه، ووجدت به بعد موته — رضوان الله عليه — ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير إصابة النبل والسهام، وأحصاها بعضهم في ثيابه فإذا هي مائة وعشرون.

ونزل خولي بن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه، فملكته رعدة في يديه وجسده، فنحاه شمر وهو يقول له: فت الله في عضدك!

واحتز الرأس وأبى إلا أن يسلمه إليه في رعدته؛ سخرية به وتماديًا في الشر، وتحديًا به لمن عسى أن ينعاه عليه! وقضى الله على هذا الخبيث الوضر أن يصف نفسه بفعله وصفًا لا يطرقه الشك والاتهام، فكان ضغنه هذا كله ضغنًا لا معنى له ولا باعث إليه إلا أنه من أولئك الذين يخزيهم اللؤم فيسليهم بعض السلوى أن يؤلموا به الكرام، ويجلعوه تحديًا مكشوفًا كأنه معرض للزهو والفخار، وهم يعلمون أنه لا يفخر به ولا يزهى! ولكنهم يبلغون به مأربهم إذا آلموا به من يحس فيهم الضعة والعار.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة