يؤرخ للنشر في مصر مع مطبعة بولاق التي أنشأها محمد على في 1821م، واعتبرت رمزًا للحداثة في مصر، وتشير الببليوغرافيا الخاصة بمطبوعات بولاق إلى أنها نشرت في الفترة بين 1822 و1842 أكثر من 250 عنوان تركزت على الكتب العسكرية والعلوم التطبيقية والإنسانية والتراث، ثم أنشأ أحمد البابي الحلبي المطبعة الميونية سنة 1859م، التي انقسمت لداري نشر لاحقًا، وهي أقدم دار نشر عربية ما زالت تعمل، وتعد مطبعتها بالقرب من مسجد الحسين في القاهرة تراثًا للكتاب العربي المطبوع يجب الحفاظ عليه، بل إنه للأسف ليس لدينا ببليوغرافيا لكل ما طبعته مطبعة الحلبي وإن كانت لا تزال تطبع مئات العناوين التي يقبل عليها القراء من مختلف أنحاء العالم.
ثم جاءت مطبعة المعارف التي أسسها إبراهيم المويلحي، والمطبعة الأهلية القبطية في عام 1870م ليقدما الكثير.
لتشهد مصر في عام 1894م قيام كل من جورج زيدان ونجيب متري إنشاء مطبعة التأليف، لينفصلا في العام التالي، ليؤسس جورج زيدان دار الهلال، ويؤسس نجيب متري دار المعارف، إن الإحصائيات تشير إلى أنه مع نهاية القرن ال 19م، أكثر من عشرة آلاف كتاب وزعت على التخصصات التالية:
1762 عنوان في الدراسات الإسلامية، 2017 عنوان في الأدب، 1372 عنوان في الدراسات الاجتماعية، 1092 عنوان في التاريخ، 705 عنوان في الفلسفة، 242 عنوان في العلوم، 372 كتابًا دراسيًا.
ثم شهدت مصر خلال القرن العشرين طفرة في حركة النشر للكتب والمجلات والصحف خاصة مع إنشاء الجامعة المصرية وما ترتب على ذلك من تطور في حركة التأليف، وفي أعقاب ثورة 1919م وصعود الشعور الوطني والحاجة للنهضة على كافة المستويات، بل صاحب ذلك تضامن عدد من المثقفين فألفوا "لجنة النشر والتأليف والترجمة" والتي قدمت الكثير للثقافة المصرية والعربية، والجدول التالي يبين حركة النشر في مصر خلال عامي 1945 و1952م.
لكن تلقت حركة النشر في مصر ضربة بسياسات تأميم دور النشر الخاصة النشطة في مصر في حقبة الخمسينيات والستينيات وكان منها: دار المعارف ودار القلم ودار الهلال وغيرهم، هذا ما أدى إلى تأثيرات سلبية على حركة النشر في مصر، وأدى إلى نشاط النشر في بيروت التي تميزت بالمرونة الكبيرة في حركة الكتاب عن القاهرة.
لكن نستطيع أن نرى أرقام النشر خلال تلك الحقبة على النحو التالي:
إن من دور النشر التي شهدت تطورًا في ظل أزمة كورونا مركز المحروسة، وهي دار نشر مصرية تأسست عام 1986م على يد فريد زهران، على مدى سنواتها السابقة تجاوزت إصداراتها 1000 عنوان من كتب الفكر الاقتصادي والديني والسياسي، توجهت المحروسة مؤخرًا للاهتمام بكتب العلوم والفلسفة والكوميكس بالإضافة إلى ترجمة أكثر من 30 كتاب سنويًا من كتب الأدب والفكر المعاصر، أتاحت المحروسة كتبها رقميًا على تطبيق أبجد، كما طورت مقرها ليصبح مكتبة البلد التي نجحت في استقطاب مئات العناوين، وحفلات توقيع وأنشطة ثقافية وجلسات قراءة للكتب من قبل الشباب.
إن تراجع بعض دور النشر المصرية يعود إلى وفاة المؤسس وعدم قدرة الأجيال الجديدة على الاستمرارية بذات القوة الدافعة، فضلًا عن التحديث حتى أغلقت دار التراث في شارع الجمهورية بسبب هذا، وما سبب خسارة لحركة النشر في مصر، فإلى الآن عدد دور النشر التي تعد مؤسسات لا تعتمد على أفراد قليلة، هذا ما يفقد مصر رصيدًا من العناوين المنشورة التي تضيع بين إغلاق دار النشر بعد وفاة المؤسس والابن على أحسن الفروض، ومن دور النشر التي يمكن أن تساق في هذا الاطار مكتبة مدبولي التي بوفاة الحاج محمد مدبولي "1938 – 2008" فقدت زخمًا كبيرًا، والذي كان أحد علامات القاهرة الثقافية، فمكتبة مدبولي التي تجاوز عملها الآن 80 عامًا كانت مقصدًا للمثقفين العرب والمصريين والأجانب في القاهرة حيث كانت العناوين بها وبمخازنها تتجاوز بصورة مستمرة 10000 عنوان، ومخازن المكتبة كانت تضم ما لا يقل عن نصف مليون عنوان، ونشرت المكتبة في ظل مؤسسها 4000 عنوان تميز بعضها بالجرأة سواء في الموضوع أو حتى بمغامرات محمد مدبولي مع مؤلفين جدد أو مترجمين جدد، بدأ محمد مدبولي حياته مع التوزيع مع والده عام 1944م وتطور إلى كشك ومنه إلى مكتبة ودار نشر في ميدان طلعت حرب بالقاهرة.
إن التراكم الزمني لدار النشر يعني بناء علامة تجارية لدار النشر هي في حد ذاتها قيمة مضافة، ولكن هذا غير مدرك بصورة كبيرة لدى دور النشر العربية، من الأمثلة الجيدة في هذا المضمار عدد كبير من دور النشر اللبنانية التي تعاقبت عليها أجيال مختلفة وظلت متماسكة بل وتطورت، وهي ميزة جعلت النشر في لبنان تميز منها: مكتبة لبنان التي تأسست عام 1944م وتحولت في عام 1966م إلى دار نشر عربية لديها فروع في: مصر، سورية، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، تميزت بإصدار المعاجم والقواميس حيث أصدرت 600 قاموس، وكتب الأطفال حيث أصدرت في سلسلة الفراشة ألف عنوان، وأصدرت أكثر من 400 عنوان في سلسلة ليد بيرد باللغة العربية، تتضمن إصداراتها كتب مترجمة، وموضوعات الإصدارات بصورة عامة ذات مضمون جاد.
تُعد دار الآداب في بيروت من الدور التي لديها تراكم وامتداد، أنشئت الدار عام 1956م بعد صدور مجلة الآداب عام 1953م على يد سهيل إدريس مؤسس الدار، واشتهرت بالنشر في الإبداع الأدبي ومن أبرز مطبوعاتها قاموس المنهل وهو قاموس "فرنسي – عربي" يعد من الأفضل في مجاله عربيًا.
على جانب آخر تختفي دور نشر عربية مثل دار الغرب الإسلامي التي أسسها حبيب اللمسي في بيروت وهو ناشر تونسي، نجحت الدار في نشر مئات العناوين، ليبقى التساؤل حول حقوق هذه العناوين، ومدى التأثر بفقدان عدم انتقال ثروة متمثلة في حقوق النشر لكتب نشرتها الدار عبر سنوات.
مثلت مصر مثالًا آخر حول فقدان العديد من دور النشر تباعًا وعبر سنوات، لكن المثل الأفضل للامتداد الزمني والتطور تمثله مكتبة الأنجلو المصرية ومكتبة الآداب، اللتان ما زالتا تعملان إلى الآن.
غير أن المثل البارز للتراكم الزمني طويل المدى تمثل في دار المعارف التي أسسها نجيب متري عام 1890م، والتي لديها رصيد تراكمي من العناوين يفوق بكثير عدد كبير من دور النشر، أُممت الدار من قبل الدولة المصرية، وشهدت تراجعًا بدءًا من ثمانينيات القرن العشرين، وكان ذلك نتيجة لإصدار مجلة أكتوبر وهي مجلة سياسية أسبوعية شكلت عبئًا على المؤسسة، وفقدت المؤسسة عبر سنوات طويلة الخبرات التي كانت تعمل بها، كما زورت كتبها على نطاق واسع عربيًا، فخسرت الدار نتيجة لذلك خسائر كبيرة.
شهدت الدار في الأربع سنوات الأخيرة خطوات إيجابية عادت بها إلى سابق عهدها، إذ يجري الآن بناء ببليوغرافيا لمطبوعاتها، وإعادة إصدار ما نفذ من مطبوعاتها، فضلًا عن نشر كتب جديدة مع تبني سياسات للنشر الرقمي، تمتلك الدار عدد كبير من العناوين لمؤلفين عرب مرموقين مثل: طه حسين، حسين مؤنس، شوقي ضيف، محمد كرد على وغيرهم، والجدول التالي يوضح حركة النشر وإعادة الطباعة في دار المعارف:
إن العديد من دور النشر المصرية حافظت على توجهاتها في النشر، هذا ما يعني ثبات جمهورها من القراء وثبات التزويد لديها بل وقدرتها على الصمود في وجه جائحة كورونا مما يعني أنها استطاعت استقطاب جمهور من القراء من الفئة بين 20 عام إلى 45 عام، فضلًا عن المتخصصين في مجالات النشر لديها ونظرة فاحصة على سبيل المثال على اتجاهات النشر لدي مكتبة العربي للنشر والتوزيع كاشفة عن ذلك على النحو التالي:
شهد عام 2021م ظهور عدد جديد من دور النشر في مصر بالرغم من جائحة كورونا، هذه الدور الجديدة معظمها يعتمد على جهود ناشرين شباب، وبعض هذه الدور واعد من حيث الرؤية ومنها دار إشراقة التي تعد نموذجًا جيدًا يمكن النظر عبره لحركة النشر، نشرت الدار 52 عنوان في عام 2021م جاءت وفق ما يلي:
منصة كتبنا: هي واحدة من أفضل منصات النشر في مصر والعالم العربي، انطلقت مع اليوم العالمي للكتاب في 23 أبريل 2015، ونشرت أكثر من 1550 كتاب مطبوع وأكثر من 1850 كتاب إلكتروني.
حازت المنصة في عام 2015 على أكبر جائزة لريادة الأعمال والمشاريع الإبداعية في الكويت MIT Pan Arab Competition، وفازت بجائزة Seed Stars العالمية لريادة الأعمال عام 2015 أيضًا.
إصدارات كتبنا نالت الكثير من الجوائز والتكريمات المحلية والدولية، ومنها رواية "خيفا" للكاتب أحمد فرحات التي وصلت للقائمة القصيرة لمسابقة الشيخ زايد للكتاب، والرواية المصورة "القضية 43 اللبان" للفنانة مي كريم التي حازت على جائزة محمود كحيل المرموقة لأفضل قصة مصورة، وكذلك إصدارات الكاتبة البوليسية "نهى داوود" التي حازت على جائزة الكاتب الأكثر مبيعًا في مسابقة I Read لعام 2021.