مع كل توترات الحياة، وإيقاعها المتصاعد، والواصل بالقلوب للحناجر، بكل النواحى على مستوى الأرض، فى عالم كل أحداثه متسارعة، جنونية، شرسة، لا هوادة فيها، ولا رحمة، لا يسعك صديقى ألا نفسك، وبيتك فقط، تأسيا بما أوصانا به النبى صل الله عليه وسلم، فعن عقبة بن عامر، قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك".
فما دار الحياة إلا كدر وعيشها كبد، وسط فتن متباينة، متلاحقة، وهو ما نبهنا له الله سبحانه، بأنه "خلق الإنسان فى كبد".. ربنا أبلغ بنى آدم، بذلك حتى يعلى دائما، كلمة الله، وأن رب الأسباب، فوق الأسباب، وأنه سبحانه وحده، هو الباق، والدائم مع البشر فى رحلتهم، فهو الرزاق وقت الرخاء، ووقت المحن. وأنه ليس لك من الأمر شيء.
لذا فالق عصاك، واخلع نعليك، وارخى يديك ودع عنك كل ما يثقل كتفيك، دع كل الأمر لله، تحرر مما يؤذيك، فهى حياة، وهى بالله تدار، لا بتفكيرك، ولا بحيلك.
وإذا عصفت بك رياح الحياة، واشتد الأمر وتاهت خطاك على الطريق، هنا فقط اسكن، ارخ يديك عن حبال أمورك كلها، واهدأ، فلا تخبطك واندفاعك وسط الأعاصير والغيوم سيوصلك لوجهتك، ولا سخطك وغضبك سيدل القافلة عليك لتنقذك.
أنت بطل نفسك، أنت وليس أحد غيرك، من سيلهمك للأفضل، وأسهل وأيسر الطرق، لكن المطلوب فقط أولا أن تهدأ، أن تتنفس عميقا، وتسلم الأمر لصاحب الأمر، من بيده مقاليد الأمور، وأن تسعى فيما هو أمامك ميسر ومتاح فقط.
كل تلك الحياة مقدرة مسبقا، ومعلومة عند رب العباد، فما هو ماض فات، وما هو أت يلطف به اللطيف.
الدنيا تنافسية، من أول لحظات هبوط آدم عليه السلام، وبداية إعماره للأرض، وهى تنافسية، ظهرت المقارنات، بين الأخ وأخيه، وظهر الغل والكره والقتل، والشر، ومع تصاعد الوتيرة باستمرار سلسلة الحياة، تحول الإنسان وسط كل شيء لكائن بائس، حزين، خائف، من فوات رزقه، ونفاد لقمة عيشه، ومستقبله ومستقبل أطفاله من بعده، يعيش خائفا من أذى وشر الأشرار.
أيها الحائر، كله مقدر وسائر، فلا خوف من فوات الرزق سيفيد، ولا قلق على مستقبل ما سيشفع لك، دوام التفكير، وحرقة النفس، وهنا وهنا فقط، الق عصاك، واخلع نعليك، "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له وإن يردك بخير فلا راد لفضله".