علا رضوان

ميوزيكال: "مش روميو ومش جولييت"

السبت، 19 أكتوبر 2024 04:14 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مسرحية "مش روميو وجولييت" التي تعرض على المسرح القومي بطولة علي الحجار ورانيا فريد شوقي وميدو عادل ومن إخراج عصام السيد تمثل تجربة فنية جريئة تجمع بين عناصر الدراما والميوزيكال والكوميديا لتعيد استكشاف واحدة من أكثر القصص الكلاسيكية شهرة في الأدب العالمي، ورغم أن النص الأصلي لروميو وجولييت للكاتب العظيم وليام شكسبير يعالج مواضيع الحب المأساوي والصراع بين العائلات، فإن هذه المسرحية تأخذ الجمهور في رحلة مختلفة تمامًا، تعيد فيها تخيل الشخصيات والقصة بما يتلاءم مع الحاضر المعاصر.

العمل يعتمد على فكرة ذكية وهي "عدم التطابق" أو العكسية التي يعكسها العنوان
"مش روميو وجولييت". فهو يوحي على الفور بأننا لن نشهد القصة الرومانسية
التقليدية بين عاشقين، بل سنرى معالجة جديدة تطرح سؤالاً: "ماذا لو لم تكن هذه
القصة كما عرفناها؟" هذا التغيير يتيح للمخرج عصام السيد والكاتب توظيف
الشخصيات في سياق مختلف، حيث لا يكون الحب مأسويًا، بل مشوبًا بالفكاهة
والتساؤلات

علي الحجار، في دور روميو المعاصر، يجلب معه ثقله الفني وصوته القوي الذي يحمل طاقة تمزج بين الشجن والفكاهة. يظهر روميو هنا ليس فقط كشخص عاشق، بل كشخصية تعكس الصراعات النفسية والاجتماعية التي يعيشها الفرد في الواقع الحديث. الأداء التمثيلي لعلي الحجار يعكس نضجًا في فهم الشخصية وأبعادها الإنسانية، فهو لا يقدم فقط الشاعر الرومانسي الشاب، بل أيضًا الرجل الذي يواجه تحديات معقدة تتعلق بالحرية والهوية.

رانيا فريد شوقي في دور جولييت تقدم أداءً يفيض بالقوة والوعي، مما يخلق تباينًا مع الصورة التقليدية لجولييت كفتاة شابة بريئة ومحبة. هنا، نرى جولييت قوية ومستقلة، شخصية تسائل مفهوم الحب ذاته والقيود المجتمعية التي تفرض على العلاقات. رانيا تقدم مشاعر مختلطة تتراوح بين الحزن والتمرد، وتمزج بين الفكاهة والتراجيديا بأسلوب سلس ومتقن. هذه النسخة من جولييت ليست ضحية قدر، بل امرأة واعية تحاول السيطرة على مصيرها.

ميدو عادل، كأحد ممثلي الجيل الجديد، يضيف بعدًا حيويًا للشخصيات الثانوية التي تساهم في بناء العالم الدرامي حول روميو وجولييت. على الرغم من أن أدواره قد تكون أقل من حيث الحجم مقارنة بالحجار وشوقي، إلا أن حضوره على المسرح يعزز من ديناميكية العرض ويضفي نكهة عصرية تتناغم مع تيمة المسرحية التي تجمع بين القديم والجديد، الماضي والحاضر.

عصام السيد في إخراجه لهذه المسرحية يستخدم لغة بصرية مبتكرة وجريئة، حيث يعتمد على الديكور والإضاءة لنقل المتلقي بين الأزمنة والعوالم المختلفة. الديكورات التي تترجم المشاعر المتناقضة للشخصيات تبدو بسيطة ولكنها فعالة، وهي تركز على إبراز الصراع الداخلي للشخصيات بدلاً من الانغماس في تعقيدات المشهدية التقليدية.

الإضاءة كانت أداة أساسية في تشكيل الأجواء، حيث تم استخدامها بذكاء لإبراز التحولات العاطفية والتوترات الدرامية بين الشخصيات. في لحظات الصراع الداخلي أو الفكاهة الساخرة، تكون الإضاءة أداة لإبراز هذا التحول. وقد ساعد ذلك في خلق جو من الواقعية السحرية التي تُظهر أن الشخصيات ليست محصورة في الماضي فقط، بل تمتد إلى الزمن الحاضر بكل تحدياته.

النص المكتوب بغنائية الشاعر أمين حداد يتميز بلغة حديثة قريبة من الجمهور المصري، ما يجعل المسرحية أكثر تفاعلًا وسهولة في التلقي. الحوارات تمزج بين اللغة الكلاسيكية لروميو وجولييت واللغة العامية الساخرة، مما يضيف طبقة من الفكاهة التي تتناسب مع الذائقة الجماهيرية. اللغة هنا تلعب دورًا في كسر الرتابة الكلاسيكية لقصة شكسبير وتحويلها إلى قصة نابضة بالحياة في إطار مصري معاصر.

من الجدير بالذكر أن النص لم يفقد العمق الأدبي، حيث تمكن من معالجة مواضيع الحب والصراع بطريقة تخاطب القضايا الاجتماعية الراهنة، مثل القوالب المجتمعية وضغوطات العصر الحديث. الحوار الذكي والمفعم بالفكاهة يعزز من تفاعل الجمهور ويجعلهم يفكرون في مفاهيم الحب والزواج والصراعات النفسية والاجتماعية والفتنة الطائفية بطرق غير متوقعة.

إضافة إلى التمثيل والحوار، الموسيقى التي قدمها أحمد شعتوت في المسرحية تلعب دورًا مهمًا في توجيه المزاج العام. علي الحجار، المعروف بصوته القوي والمؤثر، يستخدم مهاراته الموسيقية ليس فقط للتعبير عن العواطف الداخلية للشخصية، بل لإضافة طبقة جمالية تساعد في بناء الجو العام للمسرحية. الموسيقى هنا ليست مجرد عنصر خلفي، بل تتداخل بشكل متناغم مع الأداء الدرامي لتخلق لحظات تتفاعل فيها الكلمات مع الألحان.

مسرحية "مش روميو وجولييت" تعتبر عملاً متكاملاً يجمع بين الأداء القوي، والإخراج المبتكر، والكتابة العصرية التي تمزج بين الفكاهة والعمق العاطفي. إنها ليست فقط محاولة لإعادة تقديم قصة روميو وجولييت الشهيرة، بل هي عملية تفكيك وإعادة تركيب لها في سياق مصري معاصر. تقدم المسرحية رؤية جديدة للعلاقات الإنسانية والحب، وتسائل الأفكار التقليدية المتعلقة بالقدر ووحدة المجتمع.

علي الحجار ورانيا فريد شوقي قدما أداءً متقنًا ومعبرًا عن هذه الشخصيات المركبة، مما ساهم في إثراء النص وإضفاء حيوية على العرض. كذلك، ميدو عادل أضاف نكهة عصرية ومميزة، بينما قاد عصام السيد دفة الإخراج بذكاء وحساسية، مستخدمًا أدوات المسرح البصري بشكل مبتكر.

في النهاية، "مش روميو وجولييت" هي عمل جريء وممتع يتجاوز كونه إعادة سرد لقصة روميو وجولييت ليصبح تعليقًا حيويًا على واقع العلاقات المعاصر، مما يجعلها تجربة فنية فريدة على المسرح القومي










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة