مش بالبدايات، ولا يمكن النجاح بسهولة من خلال طريق ممهد فلابد لك من المرور بالكثير من العراقيل.. هكذا هي الحياة، وهكذا يثبت لنا الواقع كل يوم.
أغلب العلماء والعباقرة تعرضوا في الصغر لعراقيل كثيرة، لم يكن أبدا طريقهم مفروش بالورود، حتى وصل بهم الأمر في النهاية ليصبحوا جزءا من التاريخ العلمي والطبي، بل ويصبحون أداه لتغيير الواقع وترك بصمة عظيمة يقتاد بها من يأتي بعدهم.
لا شك أن هذا الكلام والوصف ينطبق وبشدة على العالم المميز جون جوردون، الأشهر والاكثر تأثيرا في علم الأحياء على الاطلاق، هكذا يصفه زملائه وتلاميذه ممن يعشقون هذا العلم بالتحديد.
فى ذكرى ميلاد جون جوردون، العالم البريطاني في علم الأحياء التطوري والحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 2012، لابد من سرد تاريخه وتجربته الفريدة الملهمة، لكي نعلم جيدا أن البدايات والعراقيل ليست أبدا مؤشرا على النهايات والنجاحات، فكل منا يصنع تجربته بنفسه.
طالب بليد، هكذا وصفه مدرس العلوم الذي درس له في المرحلة الابتدائية، حتى أنه كتب ذلك في تقرير المدرسة الدوري، وسلمه إلى عائلته، حتى أن هذا الموقف بالتحديد لم ينسه جوردن حتى ذكره في خطاب تسلمه لجائزة نوبل، وأكد بعد مرور كل هذه السنوات على أنه لا يزال يحتفظ بهذا التقرير على مكتبه حتى يوم تسلمه للجائزة، فهو يعتبر حافزا ونجاحا باهرا له، بحسب وصف تقرير نشر في موقع هارفرد يونيفرستي.
هذا الطالب الذى وصفه معلمه بالمشاغب البليد، كان دائم الرسوب في المواد العلمية خاصة العلوم فضلا عن كونه يأتي في المراتب الأخيرة من بين زملائه في نفس المواد، ولكن الشغف لا علاقه له بالدراسة النظامية، فكان شغف هذا العالم الصغير، هو علم الحيوانات والأحياء بشكل عام، فكان يعشقها ويبحث دوما فيها، نصح على الدوام بضرورة تحويل دراسته من العلمية الى الأدب العالمي، وكان على شفا تطبيق هذا الاقتراح، حتى تمسك بحلمه ودرس علم الأحياء حتى وصل بنا إلى أعظم اكتشاف في تاريخ هذا العلم، من خلال تجاربه على الضفادع والفئران.
وبتبسيط لاكتشافاته الرائعة، فقد اكتشف جوردن كيفية إعادة برمجة الخلايا البالغة ذات النواة وتحويلها إلى خلايا غير ناضجة مما يمكن تحويلها إلى نسيج آخر يجعلها أكثر قدرة وأكثر فائدة، في مجال التخصيب والاستنساخ والخلايا الجذعية، فكان أول من وطأت قدمه هذا المجال، وحتى الآن تبنى على أبحاثه كل الأبحاث الخاصة بالخلايا الجذعية والاستنساخ للخلايا.
حصل على جائزة نوبل نتاج مشوار طويل من البحث والتفكر والتجارب الطويلة مناصفة مع زميله الياباني، لم يقف عند هذا الحد بل إنه قدم فرص عظيمة للعلماء من بعده لدراسة كيفية استخدام الخلايا الجذعية في التشخيص والعلاج والقدرة على الاستفادة منها للبشرية ولعلاج الأمراض.
جوردن الذي كان على وشك الطرد من مدرسته وهو صغير أصبح في الكبر رئيسا لأهم المعاهد العلمية في كامبريدج المتخصصة فى علم الأحياء، وفقا للديلي ميل، بل إنه تم تغيير المعهد الى اسمه تكريما وتعظيما لدوره العظيم في علم الأحياء واكتشافاته المتعددة فى مجال الحمض النووي، والتي أفرزت حتى يومنا هذا الكثير من العلماء الذين ساروا على النهج واستخدموا إكتشافاته العظيمة، وبنوا عليها طرق علاج واستكشاف واستنساخ تفيد البشرية في مجال علوم الأحياء وتخليق البويضات، والتغلب على الأمراض المختلفة.
هكذا كان جوردن وهكذا أصبح، لم يعترف بفشله في البدايات ولم يقف عنده، ماذا لو كان توجه لدراسة الأدب العالمي؟! ماذا لو لم يؤمن بقدراته وشغفه؟!.