ونحن نختتم شهر ربيع الأنوار ذكرى ميلاد حضرة النبي المختار ينبغي أن نخرج من هذا الشهر العظيم بعبر وعظات، ونستخلص منه الهدي النبوي محبة في حضرته صلى الله عليه وسلم، وأن نستلهم الصفات الحميدة، والتى من أهمها صفة الرحمة، وخاصة بالأيتام، فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم رحيمًا بكل شئ، وبكل أحد، ولم لا؟ وهو الذي أرسله الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين، فقال تبارك وتعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:107)، ولأنه رحمة صلى الله عليه وسلم فكان يدعوا بالرحمة لكل من يتصف بصفات اللين والسماحة، وهي من أعظم الصفات التى وصفها الله سبحانه وتعالى بها، فقد قال الله تعالى عنه: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آل عمران- 159)، ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قد ولد يتيمًا، فشعر بمرارة هذا اليتم، فنجده في حديثه الشريف يقسم بالنجاة من العذاب لمن رحم اليتيم وألان له الكلام، فقال صلوات الله عليه وسلامه عن ابو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ "والذي بعثني بالحق، لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم، ولان له في الكلام، ورحم يتمه وضعفه...".أخرجه الامام الطبراني.
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقسم، فإنه لا يقسم إلا للأمر العظيم، ومن هنا يتضح مكانة من يرعى اليتيم، ومن يرحم يتمه، ويرحم ضعفه، فاليتيم دائمًا يشعر بانكسارة، فقد فقد السند والظهر، وفقد من يمشي في ظله وفي حماه، لذا فقد طالب الرسول صلى الله عليه وسلم الجميع أن يحسنوا إلى اليتامى، امتثالًا للأمر القراني الذي قال فيه المولى تبارك وتعالى: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة - 220)، ولذلك فقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله والذي بعثني بالحق نبيًا لا يعذب الله يوم القيامة، أي لا ينال هذا الصنف بوعد وقسم من الرسول عذاب من الله عز وجل، من رحم اليتيم، رحمة في القول والفعل حتى في النظرة، وألان له في الكلام أي لم يغلظ له القول، لكونه يعلم أنه لا أب له حتى يدفع عنه أذاه، فالبعض عندما يري يتيمًا يغلظ له القول ويعنفه في التصرف، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل مكانة اليتيم في الجنة بالقرب منه ومنزلته من الرسول منزلة السبابة والوسطى في اليد الواحدة فعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: "كَافِل الْيتيمِ - لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ- أَنَا وهُوَ كهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ وَأَشَارَ الرَّاوي - وهُو مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - بِالسَّبَّابةِ والْوُسْطى"، بل جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من يسعى على الأرملة أم اليتامى كمن يجاهد في سبيل الله فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: السَّاعِي علَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ كَالمُجاهِدِ في سبيلِ اللَّه، وأَحْسبهُ قَالَ: وَكَالْقائِمِ الذي لا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لا يُفْطِر" متفقٌ عَلَيهِ.
لذلك إذا أحببت رسول الله فأحسن إلى اليتامى، وإذا أردت النجاة من العذاب بوعد وقسم من الرسول صلى الله عليه وسلم فأحسن إلى اليتامى، وإذا أردت مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة فأحسن إلى اليتامى، وألن لهم القول، وكن خير عوض لهم عما فقدوه تنل ثواب صفة الرحمة، فالراحمون يرحمهم الرحمن، وتنل ثواب جبر الخاطر، فم سار بين الناس جابرًا لخواطر أدركه الله في جوف المخاطر، وتنل شرف مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم.