جزء من تحولات الحرب الدائرة الآن هو إعادة تشكيل العلاقة بين إيران وحزب الله، من جهة، وطبيعة المواجهة بين طهران وتل أبيب، من جهة ثانية، وهناك بالفعل تحليلات تحاول إعادة رسم طبيعة العلاقة بين طهران والجماعات التابعة لها فى الإقليم شمالا وجنوبا.
خلال الشهور الماضية، اتخذت المواجهة بين إيران وإسرائيل شكلا جديدا، يختلف عن تبادل التهديد على مدى عقود من دون مواجهات مباشرة، حيث دخلت إسرائيل فى مواجهات مباشرة مع إيران باستهداف القنصلية الإيرانية فى دمشق، وتنفيذ اغتيالات لقيادات إيرانية فى جنوب لبنان، بجانب قيادات من حزب الله تضمنت قيادات الصفين الأول والثانى من فؤاد شكر إلى الأمين العام حسن نصر الله، ثم تنفيذ اغتيال إسماعيل هنية داخل طهران، وقالت إسرائيل: إنها ترد على اعتداء حزب الله على الشمال منذ ما بعد أكتوبر.
هذه الخطوات تمثل تطورا نوعيا واستعدادا معلوماتيا، وعندما ردت إيران حرصت على التأكيد بأن الرد لا يعنى الدخول فى مواجهة مباشرة أو حرب واسعة، وهو ما تم فى هجمات بالمسيرات والصواريخ فى إبريل لمدة ساعات، وأعلنت طهران أنها ردت وانتهى الأمر، وهو نفس ما تم خلال هجمات الأخيرة بالمسيرات والصواريخ التى أصابت بعضها منشآت عسكرية وأمنية بإسرائيل، وأكدت إيران نهاية الهجوم والرد فى حالة تكرار الهجمات.
ولأكثر من عام، حرصت إيران على تأكيد أنها لن تنخرط فى حرب مباشرة، وحتى عندما تعرض منزل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو فى قيسارية لهجمات، سارعت إيران بنفى علاقتها بالهجوم فى إطلاق طائرة دون طيار، أمس الأول السبت 19 أكتوبر، قائلة: إن الهجوم نفذه حزب الله فى لبنان، وكان نتيناهو قد قال فى تصريحات، أمس الأول السبت: إن عملاء إيران كانوا وراء الهجوم وسوف يدفعون ثمنا باهظا، لكن البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة رفضت هذا الادعاء، قائلة: إن طهران ردت بالفعل على النظام الإسرائيلى، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا»، وأكدت البعثة الإيرانية: «العمل المذكور نفذه حزب الله فى لبنان»، ولم يعلن حزب الله مسؤوليته عن الهجوم، بالطبع فإن النفى الإيرانى والإشارة إلى حزب الله يمثل متغيرا أمام المراقبين والمحللين، وربما تكون المرة الأولى التى تنفى طهران وتعلن مسؤولية حزب الله، وهو ما يمثل تحولا جديدا فى العلاقة بين طهران والحزب، تبدو مقدمة لإعلان تخليها عنه بعد سنوات كان ممثلا لها فى المنطقة مع نقاط أخرى.
يأتى هذا فى ظل شن قوات الاحتلال حربا على جنوب لبنان وحزب الله، وعمل اجتياحات تشمل تفتيشا ومصادرة أو تفجير أسلحة ونقاط صواريخ، واستمرار قصف منازل ومناطق بناء على معلومات ضمن خطة تصفية قيادات الصفين الأول والثانى ونوابهم وخلفائهم، ضمن خطة غيرت فيها قوات الاحتلال سوابق المواجهات مع حزب الله، بعد تنفيذ عدد من عمليات الاغتيالات الممنهجة التى بدأت بفؤاد شكر ولم تنته بالأمين العام السيد حسن نصر الله، وأكثر من 400 قيادة للحزب، بجانب عمليات اختراق وتفجيرات أشهرها «عمليتا البيجر والتوكى ووكى»، التى مثلت ضربات استخبارية وتقنية موجعة.
وقد تجاوزت عمليات الاغتيال فى صفوف حزب الله مثيلاتها فى غزة، التى لم تخل أيضا من اغتيالات قيادات حماس، وبالتالى فإن تنفيذ عمليات نوعية تجاوز القيادات العسكرية إلى السياسيين، وهى عمليات تمثل تحولا فى المواجهة بين الاحتلال وحماس وأيضا حزب الله.
وبالرغم من نفى طهران علاقتها بمسيرات منزل نتنياهو، وربما قبل العملية، هناك توقعات كبيرة بأن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربات إلى إيران، بالرغم من تأكيداتها عدم الاتجاه إلى حرب شاملة وهو موقف أعلنته طهران منذ البداية، وكرره الأمين العام الراحل حسن نصرالله، فى خطاباته، لكن الحزب أعلن أن عملياته ضد شمال إسرائيل هى إسناد لحماس، ونفس الأمر فعلته جماعة الحوثى بإطلاق صواريخ على مناطق فى إسرائيل، التى اعتبرت كل ما يطلق من لبنان واليمن هو منسوب لإيران.
وحسب ما نشرته «اليوم السابع»، نقلا عن إعلام إسرائيلى، فقد تم اكتمال جميع الاستعدادات للرد على إيران، وأن الهجوم سيكون كبيرا، وأن المجلس الوزارى ناقش الرد على إيران، واستمرار الحرب فى لبنان، وأن هناك تقديرات برد فعل إيرانى على الهجوم الإسرائيلى المرتقب، وإسرائيل تستعد لذلك.
وفى المقابل، أعلن وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، أن أى هجوم إسرائيلى محتمل على إيران سيكون «خطا أحمر»، وأن طهران سترد عليه بشكل مناسب، وقال عراقجى: «إذا هاجمتنا إسرائيل فإننا مستعدون بالكامل للرد، ونحن سنرد بشكل مناسب، ونأمل فى أن إسرائيل لا تختبر استعدادنا، وسيكون الرد على أى هجوم ضد المنشآت النووية أو غيرها، ونحن لن نمتنع عن الرد ولن نتأخر، ولن نستعجل، وهناك احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق»، وأضاف وزير الخارجية الإيرانى: أعتقد أنه من الضرورى تشغيل الدبلوماسية لوقف هجمات إسرائيل، وإعلان وقف إطلاق النار لمنع وقوع مأساة واسعة النطاق فى المنطقة.
وقد تم تسريب وثائق أمريكية حول خطط تل أبيب لشن حرب على طهران، وبالفعل حسب ما نشرته «أسوشيتدبرس» تحقق الولايات المتحدة بشأن الكشف غير المصرح به عن وثائق تقيم خطط إسرائيل لمهاجمة إيران، وتحرك أصول عسكرية لشن ضربة عسكرية ردا على الهجمات الصاروخية الإيرانية ضدها فى الأول من أكتوبر.
ويرى محللون أن غياب يحيى السنوار هو خصم من قوة حماس، وأيضا خصم من قوة إيران، وبشكل عام ما يسمى محور الممانعة الذى ينسب إلى قيادة إيران، ويتضمن تنظيمات حزب الله اللبنانى، والحوثيين فى اليمن، والفصائل المسلحة فى العراق وسوريا، ويمثل جزءا مهما من استراتيجية إيران، التى تضعف بغياب «السنوار»، وهو مهندس عملية 7 أكتوبر، وبالتالى فإن غيابه يخصم من قوة حماس، مع قيادات غابت أثناء عام المواجهة الذى بدأ بعد 7 أكتوبر.
أعلنت أطراف من حماس أن إيران وراء التخطيط والتنفيذ لطوفان الأقصى، الذى مثل ضربة لنتنياهو وأمن إسرائيل، وأطلق عملية انتقام واسعة تجاوزت العام، ومثلت تحولا فى المواجهة وفى مستقبل شكل المنطقة خلال الفترة المقبلة، وهى سيناريوهات تتفاعل بالرغم من مساعى دول كبرى مثل مصر لمنعها، بل إن مصر كانت الدولة الأكثر تحذيرا من اتساع المواجهة بشكل قد يصعب التحكم فى نتائجه. وخلال أسبوع، كانت هناك تحركات ولقاءات مصرية فى محاولة لامتصاص التوترات، والسعى إلى منع صدام قد يهدد المنطقة، فقد استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وعقدا مباحثات تتعلق بالعلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية، وفى نفس الأسبوع كانت زيارة وزير الخارجية الإيرانى، ووزير الخارجية الإسبانى، للقاهرة، وعقد لقاءات دبلوماسية وسياسية، وتسعى مصر إلى انتزاع فتائل التوتر.
ومؤخرا، بعثت الولايات المتحدة برسالة إلى طهران، مفادها أنها تقف إلى جانب إسرائيل بشكل كامل، فى حال اندلاع نزاع مع إيران، وأنها مستعدة لاستخدام أحدث أسلحتها فى هذا السياق، ويعزز نصب منظومة الدفاع الصاروخى «ثاد» مع خبراء أمريكيين فى إسرائيل قدرتها على التصدى لأى هجوم صاروخى باليستى محتمل من إيران.
وفى المواجهة، أعلنت أطراف إيرانية غير رسمية تهديدات ضد دول الخليج، فى حال تعرضت لقصف إسرائيلى، وهى تصريحات ضاعفت من التوتر وأعادت سابقة إطلاق صواريخ ضد مصافى النفط، وذلك قبل عقد اتفاقات بين إيران والسعودية، كما أن الأوضاع الحالية مع الولايات المتحدة قد تثير مزيدا من الصدام.
لكن فى كل الأحوال، هناك تحولات ضخمة تمثلها الحرب الحالية، التى يتوقع أن تترك أثرا كبيرا على شكل المنطقة الجيوسياسى، بجانب توقعات بأنه فى حال انسداد آفاق السلام قد تتفجر أنواع وأشكال من العنف، التى ترتبط عادة بغليان غير مسيطر عليه فى عالم الصراع.
مقال أكرم القصاص
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة