نوقن أن تحقيق النهضة يُعتبر مسلمة أساسية لإتقان العمل وتحقيق جودة الحياة، حيث يتداخل كل من الإتقان والجودة في العمل لتحسين مستويات المعيشة، كما يرتبط كلا من التقدم والازدهار المجتمعي بشكل وثيق بمستوى الإتقان في الأداء الوظيفي مما يزيد من فعالية الأفراد والمؤسسات، ويؤدي إلى تحسين ورفع مستويات الأداء والإنتاجية، مما يسهم في تحقيق الأهداف التنموية للمجتمعات، ومن ثم فتحقيق النهضة يتطلب التزامًا حقيقيًا بالإتقان في العمل من خلال تحسين الأداء وثقل المهارات والكفايات، وتحسين الخدمات والمنتجات مما يمكن الأفراد والمجتمعات من الوصول إلى مستويات أعلى من التقدم والازدهار وبلوغ جودة الحياة.
هناك دعوات لمؤسسات الدولة الإنتاجية، وخاصة الصناعية منها، للوصول إلى مستوى الجودة، وفي هذا السياق تؤكد القيادة السياسية أن التزام الفرد ومسؤوليته تجاه الوظيفة التي يؤديها أو المهام الموكلة إليه ستؤدي حتما إلى نتائج إيجابية وكفاءة في الأداء وهو ما يوصف بالإتقان، وهي بالطبع لا تنفصل عن الإخلاص في العمل والضمير والمسؤولية، وهو ما يحفز الأفراد على بذل المزيد من الجهد لتحقيق الجودة والريادة.
تعتبر الجودة في المؤسسات الإنتاجية، وخاصة الصناعية، هدفًا أساسيًا يسعى الجميع لتحقيقه، حيث إن التزام الأفراد بمسؤولياتهم وواجباتهم يعكس مدى جدية العمل والإخلاص الذي يبذلونه، وهذا الالتزام لا ينعكس فقط على الأداء الفردي، بل يسهم أيضًا في تعزيز الكفاءة العامة للمؤسسة، وعندما يشعر الأفراد بأنهم مسؤولون عن عملهم، فإن ذلك يحفزهم على تحقيق مستويات أعلى من الجودة، مما يؤدي إلى النتائج الإيجابية التي تسعى إليها القيادة السياسية؛ فالإتقان في العمل يتطلب أيضًا ضميرًا حيًا ورغبة حقيقية في الإسهام في تقدم المؤسسة، وهو ما يعزز روح الفريق ويحفز الجميع على تقديم أفضل ما لديهم، ومن ثم يتطلب نشر ثقافة الجودة والإتقان من المؤسسات الاستثمار في التدريب والتطوير، وتحفيز الموظفين على الابتكار والإبداع، مما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من عملية التحسين المستمر.
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن بلوغ مرحلة الاتقان تستوجب على الفرد أن يطور من نفسه وفكره وقدراته؛ فعندما نقوم بعمل ما، فإننا ملتزمون بأن نقدم أفضل ما لدينا ونسعى لتحقيق أقصى درجات الجودة والكفاءة، من خلال تطبيق المعرفة والمهارات المكتسبة، والاهتمام بالجودة والتحسين بصورة مستمرة مما يُشجع على التطور المستمر وتحسين الكفاءة الشخصية والمهنية لتحقيق أعلى مستويات الإتقان، ومن ثم بلوغ حد التنافسية في الداخل والخارج على السواء، ومن ثم فهذه الجهود لا تعزز فقط من مستوى الأداء الفردي، بل تسهم أيضًا في بناء ثقافة مؤسسية قائمة على التميز والإبداع، مما يؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية تعود بالنفع على الجميع.
في هذا السياق، من الضروري أن نعيد النظر في طبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتق الأفراد والمؤسسات، ومدى ارتباطها بالقيم والعقائد التي يتبناها المجتمع؛ فالمسؤولية الأخلاقية تتطلب من الأفراد والمؤسسات تحمل تبعات المهام والأعمال المنوطة بهم، مما يؤكد ويوطن لمفهوم الإتقان كواجب جماعي وفردي وفق معايير واضحة لا لبس فيها ولا تأويل؛ فالعمل هو الوسيلة الأساسية لتحقيق الأهداف الفردية والمجتمعية، حيث يسهم في تطوير القدرات وتحسين الأداء.
ولقد وُجد الإنسان ليعمر الأرض ويستثمر مواردها، مما يجعل العمل ضرورة وجودية تسهم في الحفاظ على مقدراتها، والمحافظة علي القيم المشتركة بين جميع المجتمعات، بغض النظر عن التباين العقائدي أو الثقافي، مما يعكس التزام الأفراد بمبادئهم وأخلاقياتهم، ويسهم في تحسين جوانب الحياة المختلفة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو العلمية، ويحقق رفاهية الأفراد والمجتمعات؛ لهذا فالعمل، بمختلف أشكاله، يمثل قيمة وجودية حقيقية، ويجب أن يُنظر إليه على أنه جزء لا يتجزأ من الهوية الإنسانية، مما يتطلب من الجميع الالتزام بمعايير واضحة تعكس المسؤولية والإتقان.
وتتعدد المقومات الأساسية التي تسهم في تحقيق مستويات الإتقان في العمل، ومن أهمها، التكامل بين الجانبين النظري والجانب العملي والتدريب المستمر، من حيث الفهم العميق للمفاهيم والنظريات والتطبيق العملي للمعرفة المكتسبة المتعلقة بمجال العمل؛ للمساعدة على اتخاذ قرارات مستنيرة وتحقيق النتائج المرجوة، والتدريب المنتظم لتطوير المهارات وخاصًة مهارات التواصل، والعمل الجماعي، والقدرة على حل المشكلات، مما يمكن الأفراد من تحسين كفاءاتهم واكتساب مهارات جديدة تتناسب مع متطلبات العمل.
فعندما يتمكن الأفراد من دمج المعرفة والمهارات، فإن ذلك يفتح أمامهم آفاقًا جديدة للإبداع؛ فالإبداع يأتي كنتيجة طبيعية لتطبيق المهارات بشكل مبتكر وفعّال، حيث تسود ثقافة التشجع على الإتقان والإبداع في بيئة العمل ودعم القيم الإيجابية والتقييم المستمر للأداء وتقديم التغذية الراجعة مما يساعد الأفراد على تحديد نقاط القوة والضعف لديهم وببيئة العمل وفق ما يمتلكه الفرد من ملكات تشجعه على ذلك، وبالتالي تحسين الأداء بشكل فعال ومستمر، والوصول إلى مستويات عالية من الإتقان، وتحقيق النجاح والتميز وصولا للريدة والتنافسية.
تعتبر المسلمة المتعلقة بإتقان وجودة العمل ركيزة أساسية في تحقيق النهضة والتقدم المجتمعي؛ فالإتقان ليس مجرد هدف فردي، بل هو شرط ضروري لتطوير نظم التعليم والتدريب التي تُنمي من قدرات الأفراد وتؤهلهم ليصبحوا منتجين في تخصصاتهم ومجالاتهم المختلفة، مما يسهم في رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية، وذلك نتيجة للدور المحوري للتعليم والتدريب الجيدين حيث يمكّنان الشباب من اكتساب المعارف والمهارات اللازمة للتفوق في مجالاتهم، مما يتيح لهم المنافسة وتلبية احتياجات سوق العمل، وبالتالي فالعلم والمعرفة مفتاح التنمية وأساس لتحقيق التنمية المستدامة؛ فكلما زاد مستوى التعليم، زادت فرص الابتكار والتطور.
ومن هنا حرصت توجيهات القيادة السياسية الرشيدة، نحو التأكيد علي أهمية العلم والمعرفة والتزام الدولة بتطوير إمكانيات الشباب، مما يساهم في بناء مجتمع متقدم وقادر على مواجهة التحديات، حيث أن الإتقان في العمل لا يساهم فقط في تحسين الأداء الفردي، بل يلعب دورًا محوريًا في النهوض بالمجتمع ككل، من خلال التعليم المستمر والتأهيل الجيد، يمكن لكل فرد أن يصبح عنصرًا فعالًا في عملية التنمية، مما ينعكس إيجابيًا على مستوى المعيشة والرفاهية للجميع وتحقيق جودة الحياة.
ولتحقيق الإتقان والنجاح المهني، يجب على الفرد أن يتبنى منهجًا لتحديد أهدافه وطموحاته وتطوير معرفته في مجاله، سواء من خلال الدورات التدريبية أو التعليم الذاتي، والاهتمام باكتساب المعرفة والمهارات الفنية والمهارات الناعمة ومهارات القيادة، مثل التواصل الفعّال، والعمل الجماعي، وإدارة الوقت والمشاركة في ورش العمل، والتدريب العملي إلي جانب القدرة على التفكير بشكل استراتيجي، ومن ثم وضع خطط واضحة تتضمن الخطوات التي سيتخذها لتحقيق أهدافه وتطوير مهاراته، ومن المهم مراجعة الخطط بشكل دوري وتقييم التقدم المحرز، وتعديل الأهداف إذا لزم الأمر، فمن خلال تحديد الأهداف والطموحات، واكتساب المهارات اللازمة، ووضع خطة تنموية واضحة، يمكن للفرد تحقيق نمو مهني متميز والإسهام بفعالية في مجاله، وهذا النهج يؤكد من فرص النجاح الشخصي، ويساهم أيضًا في تطوير وتنمية ونهضة المجتمع ككل.
وهناك العديد من الممارسات التي يمكن القيام بها لتحقيق تنمية حقيقية في المسارين المهني والأكاديمي، يستطيع الفرد من خلالها تبني عدة ممارسات فعّالة، كاختيار الدورات التي تتناسب مع قدراته ومجاله واحتياجاته المهنية وتحقيق الاستفادة القصوى من خلال التفاعل وطرح الأسئلة وتبادل الخبرات مع المدربين وزملاء الدراسة، وتبني فكرة التعلم المستمر والاستفادة من الموارد المتاحة عبر الإنترنت، مثل الدورات المجانية أو المدونات التعليمية، مما يمكن الأفراد من الانخراط في برامج تعليمية أو ورش عمل دورية لتنمية المهارات.
إلي جانب اختيار المواضيع والكتب والمقالات الملائمة والانضمام إلى مجموعات أو منتديات مهنية وحضور المؤتمرات والندوات لمناقشة الأفكار المستفادة من القراءة، ومن ثم بناء شبكة علاقات تواصل مع المحترفين والخبراء في المجال للتعرف على أحدث الاتجاهات والتقنيات، مما يفتح آفاق جديدة للتعلم والتطوير وإنجاز الأهداف التعليمية والمهنية فمن خلال هذه الممارسات، يمكن للفرد أن يحدث تنمية حقيقية في مساره المهني والأكاديمي، مما يسهم في تطوير ذاته ومهاراته وزيادة فرص النجاح في مجال عمله، وهذا يؤكد أن التعلم المستمر والشغف بالمعرفة هما المفتاحان الرئيسان لتحقيق التقدم والنمو الشخصي.
تُعد المشاركة في المشاريع التطويرية في المجالات المهنية والتواصل مع الخبراء من أهم العوامل التي تُسهم في تنمية المهارات واكتساب الخبرات الجديدة وتوفير فرص لتطبيق المهارات المكتسبة في سياقات ممارسة حقيقية، مما يؤكد علي الفهم العملي وتحسين معدلات الأداء الجمعي، كذلك صور وآليات التواصل مع الخبراء في مجال التخصص لتبادل الرؤى والخبرات المختلفة مع محترفين ذوي خبرة يمكن أن يوفر رؤى جديدة حول أفضل الممارسات والتوجهات الحديثة، فمن خلال توفير فرصًا للتواصل وتبادل المعرفة والخبرات، ومواكبة التطورات في سوق العمل والبقاء على اطلاع بأحدث الاتجاهات والتقنيات من أجل الاستفادة وتحسين المجال وصولاً للإتقان، ومن ثم نستطيع المساهمة في تطوير الاستراتيجيات المهنية والتكيف مع التغيرات والتطورات في سوق العمل، وهذا النهج يحقق معدلات عالية من الأداء والإنتاجية وامتلاك ملكات وأدوات التنافس والريادة التي تتفرد في طالع المستقبل.
ونؤكد أن تحقيق النهضة من خلال إتقان العمل ليس مجرد هدف، بل هو مسار يسهم في تحقيق النهضة والتنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة بشكل شامل ومستدام، ويمكن للأفراد والمؤسسات أن يتميزوا في بيئات العمل المتغيرة، مما يسهم في تحقيق النجاح المستدام والتفوق في السوق؛ فمن خلال التركيز على الأداء والإنتاجية، يمكن للمجتمعات الوصول إلى مستويات أعلى من الرفاهية والتقدم.