يقترب الشهر الأول من العام الثانى على الانتهاء، وتتواصل الحرب على غزة، وجنوب لبنان، وتتخذ مسارات وتقاطعات، تجاوزت ما جرى فى 7 أكتوبر 2023، إلى مسارات جديدة، وكل حدث يفتح مجالات لأحداث أخرى، بطريقة المتواليات، فالحرب لم تتوقف فى غزة، لكنها تصاعدت فى لبنان، ووصل القصف إلى محيط مطار رفيق الحريرى فى بيروت، وأعلن الاحتلال عن استهداف ما يزعم أنه مؤسسات اقتصادية تابعة لحزب الله، وفى نفس الوقت تقترب الحرب من عمليات ضد إيران تسربت وثائقها من داخل الولايات المتحدة وتحمل تفاصيل الضربات، وبالرغم من إجراء تحقيقات داخل أجهزة أمريكية لكن لم يصدر نفى من قبل الجهات المعلوماتية.
تتصاعد أعداد الشهداء فى غزة لتقترب من 45 ألفا وآلاف الجرحى، أغلبهم من الأطفال والنساء، ويصر بنيامين نتنياهو على مواصلة حربه ضد حزب الله وغزة، وأيضا إيران، وإيران لن تصمت، حيث أعلن وزير الخارجية الإيرانى أن بلاده سوف ترد على أى عدوان، فى وقت تبذل عدة دول جهودها لوقف الحرب وإنهاء التوترات المستمرة، والتى تهدد بنشوب صدام كبير قد يحمل علامات حرب شاملة، وعلى رأس هذه الدول تأتى مصر التى لم توقف سعيها لوقف الحرب، واستمرار دخول المساعدات إلى غزة التى تواجه حصارا عسكريا من قبل الاحتلال.
الحرب أصبحت لنتنياهو ومعسكر التطرف الإسرائيلى، مبرر الوجود، ولهذا سعوا إلى إفشال مساعى وقف الحرب، وبالرغم من أنه فشل فى جر إيران إلى حرب موسعة، فإن إعلان البيت الأبيض أكثر من مرة دعم إسرائيل يضع المنطقة على حافة مواجهة قد تتسع لتضع إيران فى مواجهة الولايات المتحدة، التى تدعم نتنياهو بنظام الصواريخ «ثاد» لمواجهة الهجمات بالمسيرات والصواريخ.
وقد واصلت مصر على مدار الأيام الأخيرة اتصالاتها مع كل الأطراف الإقليمية والدولية، لوقف التصعيد والتوصل إلى حل لوقف الحرب التى أصبحت تهدد الإقليم كله، وأيضا أعلنت إيران أنها تهدف إلى السلام ولا تريد الانخراط فى حرب شاملة يمكن أن تحرق الإقليم، وسارعت بنفى علاقتها بالمسيرات التى أطلقت على منزل نتنياهو فى نتساريم، وأعلنت أن المسيرة أطلقها حزب الله، فى تصريحات تحمل لأول مرة فصلا بين إيران والحزب.
وتوالت تأكيدات إيران فى هذا الاتجاه، حيث رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائى، بأى مبادرة تؤدى إلى وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى غزة ولبنان، وقال حسب وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» إن أولوية إيران تجاه الأوضاع الإقليمية هى إحلال ونشر السلام والاستقرار والطمأنينة فى المنطقة، مؤكدا أنه لم يكن لدى إيران أى نية قط للتدخل فى الشؤون الداخلية لأى دولة، وأن حزب الله من الجهات الفاعلة فى الداخل اللبنانى، والحل الأفضل هو الحوار اللبنانى - اللبنانى، للتوصل إلى توافق فى هذا المجال.وهو تحول بدرجة ما فى اتجاه إيران إلى فك الارتباط مع حزب الله، والحديث عن أنه شأن لبنانى، بما يعنى إبعاد طهران نفسها عن التدخل بالشأن اللبنانى، وهو توجه يختلف عما كان ضمن خطاب الحزب على مدى سنوات أنه يتبع إيران مباشرة فى الاقتصاد والتدريب إلى آخره.
ولهذا فقد ألمح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إلى وجود بوادر إيجابية على أن المشاورات الدبلوماسية فى المنطقة أظهرت وجود قلق مشترك، وأن دول المنطقة تتشاور مع شركائها من أجل حل عام وعالمى لإنهاء السياسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلى.
بالطبع فإن الإشارات الإيرانية الحالية ربما تكون ضمن تحول فى الموقف الإيرانى، وتحول فى الخطاب، بمواجهة غرور نتنياهو، ويعكس إدراكا لتغيير بمعادلة الصراع، وحدوث مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، بعد سنوات ظلت تتم بالوكالة، وهو تحول فى الشكل والمضمون، يتطلب تفهما وتعاملا تكتيكيا واستراتيجيا،، يختلف عما سبق طوال عقود، ويكشف عن تغيير بالمعادلات، وسياقات جديدة، تلعب فيها السياسة الدور الأكبر، حيث لم تعد التوازنات هى نفسها قبل 7 أكتوبر، وما تلاها على مدى أكثر من عام، شهدت تطورات درامية، تعيد تشكيل توازنات القوة والنفوذ.