على مدى سنوات واجه الاقتصاد العالمى، والمصرى جزء منه، تحديات وتقلبات كثيرة، بدأت بفيروس كورونا لمدى عامين، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التى ضاعفت من أسعار الغذاء والوقود وسلاسل النقل، ثم جاءت الحرب فى غزة التى تفرض تحديات اقتصادية وأيضا أمنية فى البحر الأحمر والملاحة بقناة السويس، كل هذه الخطوات والتحديات فرضت تفاصيل أزمة اقتصادية عطلت التحركات وأنتجت تضخما وارتفاعات فى الأسعار وتكاليف الحياة، وفى المواجهة أصدر الرئيس السيسى قرارات بحزم اجتماعية ترفع الحد الأدنى للأجور وتضاعف من مقررات التموين.
وكانت خطوات تعديل أسعار الوقود ترتبط بارتفاع الأسعار العالمية، ولجأت الحكومة إلى رفع أسعار البنزين والسولار أكثر من مرة بما ضاعف من أسعار النقل والمواصلات، وبالتالى تكاليف الحياة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، قال إن البرنامج الحالى مع صندوق النقد الدولى يأتى فى ظل ظروف شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية على اقتصاد العالم كله، وقال فى كلمته بافتتاح مؤتمر السكان والصحة والتنمية البشرية، إن مصر تنفذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الحالى فى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية، وحذر من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع صندوق النقد الدولى الذى تبلغ قيمته 8 مليارات دولار، إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية فى اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التى تواجهها البلاد.
وبالتالى فإن الرئيس يوجه الحكومة إلى ضرورة عدم تكرار أى إجراءات تمثل ضغطا على حياة المواطنين، وهى ليست المرة الأولى التى يتناول فيها الرئيس أهمية وجود توازن بين إجراءات الإصلاح الاقتصادى وقدرة الناس على التحمل، وأنه إذا كانت الإجراءات تهدد الاستقرار يجب وقفها، وهو ما تم خلال العام الماضى، لكن رفع الوقود مرتين بعد تعديل سعر العملة ضاعف من المخاوف لدى المواطنين.
رئيس الوزراء مصطفى مدبولى قال إن أسعار الوقود سوف تبقى من دون زيادة، لكن تظل عملية رفع أسعار الكهرباء والوقود من بين الخطوات التى تؤثر بالشكل الفعلى على حياة الناس، وبالتالى على الحكومة أن تجد طريقا تحقق به وعودها خلال عرض البرنامج وأيضا الموازنة بين ضرورات الإصلاح الاقتصادى ومدى قدرة المواطن على تحمل الأسعار وتكاليف الحياة، وهو ما يوجه به الرئيس.
ولا أحد ينكر بالفعل ما واجهته مصر من أزمات متتالية، من كورونا إلى حرب أوكرانيا وأخيرا غزة، التى انعكست على الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس، وسجلت الشهور العشرة الأخيرة 6-7 مليار دولار انخفاضا فى دخل قناة السويس، وأن هذا يجب أن تضعه المؤسسات الدولية فى الاعتبار، وأيضا الحكومة وهى تتعامل مع برنامج صندوق النقد الدولى.
ونعيد تذكير الحكومة بتوجيهات الرئيس خلال احتفالات يناير الماضى بتخصيص مسار حوار وطنى حول الاقتصاد، وكيفية معالجة الأزمة الاقتصادية وانعكاسات الأزمة العالمية، ومنح فرصة لوضع رؤى جديدة متنوعة لمعالجة المشكلات الاقتصادية ووضع حلول لمسارات العمل فى المرحلة المقبلة، وأنه مثلما أتاح الحوار الوطنى الفرصة أمام التيارات السياسية لطرح وجهات نظر متنوعة، تتجه الحكومة للتعامل مع مخرجاتها، يمكن للحوار الاقتصادى أن يجمع خبراء من مختلف المدارس للتعامل مع الاقتصاد، وكيفية معالجة التضخم والسوق، وبرامج عمل للمرحلة المقبلة، من خلال ورش عمل وجلسات اقتصادية تطرح أفكارا تقليدية، أو غير تقليدية.
كل هذه خطوات يفترض مراجعة نتائجها، والاستفادة بآراء الخبراء من اتجاهات مختلفة، وأن يكون المجتمع على إطلاع بمدى خطوط التعامل مع الإصلاح الاقتصادى، والتوازن بين تحديات اقتصادية واقعة بالفعل، وظروف تفرض نفسها ضمن حياة المواطنين خاصة من الطبقات الوسطى عموما، ومحدودى الدخل على وجه الخصوص، ممن يحتاجون دائما إلى زيادة الدعم والحزم الاجتماعية التى تمكنهم من موازنة حياتهم ودخولهم، وعلى الحكومة الوفاء بتعهداتها، وتنفيذ توجيهات الرئيس فيما يتعلق بمراجعة الاتفاق مع الصندوق إذا كان سيضع الناس فى وضع غير محتمل.