يبدو انضمام اعضاء جدد لمجموعة بريكس، أضفى المزيد من الأهمية لدورها، لتتجاوز كونها مجرد منظمة تهدف إلى إعادة صياغة الأوضاع الاقتصادية في العالم، عبر تعزيز التعاون بين عدد من القوى الصاعدة، على غرار الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وكل منهم يمثل قوة اقتصادية في العديد من المناطق الجغرافية، حيث باتت منذ يناير الماضي، وهو تاريخ انضمام 6 دول أخرى، أكثر تمثيلا لمصالح مناطق أخرى بالعالم، ربما عانت كثيرا جراء الهيمنة الآحادية، وما ترتب عليها من تداعيات، أبرزها استحواذ فئة محدودة على صناعة القرار العالمي، سواء سياسيا أو اقتصاديا، ليصبح التنظيم بصورته الجديدة بمثابة نواة مهمة لتحقيق العدالة الدولية الغائبة، وهو ما يبدو في العديد من الأزمات الراهنة، والتي طغت على السطح خلال السنوات الماضية في أبهى صورها.
والحديث عن الأزمات العالمية في اللحظة الراهنة، بات يحمل أهمية كبير، في امتداد التداعيات المترتبة عليها جغرافيا، حيث لم تعد ذات طبيعة مغلقة قاصرة على منطقة اندلاعها، وهو ما يبدو في أزمة الوباء، والتي انطلقت من الصين إلى العالم كله، ناهيك عن الأزمة الأوكرانية، والتي تجاوزت الجغرافيا المحدودة نحو تداعيات كبيرة طالت شعوب الشرق والغرب على حد سواء، وهو الأمر الذي ينطبق على الصراع في الشرق الأوسط والذي يبلغ ذروته منذ العدوان الاسرائيلي على غزة منذ أكثر من عام، ليهدد بحرب إقليمية شاملة قد تأكل الاخضر واليابس، حال استمرار العجز الدولي عن احتوائها، بينما اتسمت تلك الأزمات بتمددها الزمني، فالنهاية ليست معلومة، ومن المستحيل التنبؤ بها.
وهنا تبدو أهمية حالة الانفتاح التي تتسم بها مجموعة بريكس، والتي تبدو مختلفة تماما عن التنظيمات الغربية الأخرى، التي صنعها الغرب، طيلة العقود الماضية، فالأخيرة اتسمت بمحدودية العضوية، على غرار مجموعة السبع، والتي اقتصرت على الدول ذات الاقتصادات الكبري، بل واتخذت نهجا إقصائيا، يبدو واضحا في استبعاد روسيا من عضويتها، في إطار الخصومة التاريخية بين الشرق والغرب، وحالة الصراع القائم بينهما، وهو النهج الذي تبنته دول المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، في إطار إدارتها المنفردة للعالم خلال العقود الماضية، على أساس المبدأ الذي أرساه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش "من ليس معنا فهو ضدنا".
وفي الواقع، فإن النهج الأمريكي الغربي، والذي تترجمه التنظيمات التي دشنتها القوى الدولية المهيمنة، اعتمد مسارين متوازيين، أولهما ما يمكننا تسميته بـ"الطبقية الدولية" القائمة على الانتقائية، طبقا لمعايير تضعها واشنطن وحلفائها، دون النظر إلى الجغرافيا، أو الأوضاع السياسية والاقتصاديّة والاجتماعية في الأقاليم الأخرى، فكان الهدف الرئيسي هو الحفاظ على مصالح الدول الاعضاء، وتعزيز أدوارهم ومكانتهم لخدمة النظام العالمي بصورته الحالية، بينما اعتمد المسار الاخر نهجا إقصائيا، يستبعد المخالفين، بسبب رفضهم الدوران في نفس الفلك، وتمسكهم بالاحتفاظ بقدر من الاستقلالية.
إلا أن تغير الأوضاع الدولية، ساهم بصورة كبيرة في تراجع الدور الذي تلعبه التنظيمات ذات الطراز الغربي، جراء حالة الانقسام النسبي التي ضربت دول المعسكر الغربي، والتي تبدو بوضوح بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، منذ حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتفاقمت مع بزوغ الأزمات سالفة الذكر، منها الوضع في أوكرانيا، وما ترتب عليها من تداعيات مباشرة على حلفاء واشنطن، مما ساهم في صعود تيارات اليمين المتطرف، ثم أزمة غزة، والتي أثمرت عن مواقف فردية خارج إطار التحالف، على غرار قيام عدة دول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطين، دون مباركة أمريكية، مما أسفر في نهاية المطاف عن عجز "الطغمة" الدولية المسيطرة على العالم عن حل الأزمات في ضوء ما ضربها من انقسامات سواء في الداخل او الخارج، لتظهر أهمية تحقيق الشراكة، عبر خلق حالة من الاندماج الجغرافي، يقوم في الاساس على تمثيل أكبر رقعة جغرافية، مما يساهم بصورة كبيرة في التلامس مع الأزمات العالمية من خلال القوى المؤثرة في مناطق اندلاعها.
تلك الحالة القائمة على الشراكة تتجلى بوضوح في مجموعة بريكس، والتي باتت تقدم تمثيلا عادلا للعالم، سواء جغرافيا، أو حتى على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، مما ساهم بصورة كبيرة في وضع العديد من الأزمات الدولية على أجندتها، وأبرزها العدوان على غزة، والتي فرضتها المشاركة المصرية الفعالة على أجندة المجموعة، بينما لم تكن الخلافاتأو المنافسة بين الدول الاعضاء عائقا أمام عضويتها، لتنتفي عنها سمة الإقصاء التي اتسمت بها التنظيمات الأخرى، وهو ما يبدو سواء في عضويتها الحالية، والتي تناولتها في مقالي السابق، او حتى في تصريحات صادرة عن الكرملين على هامش قمة قازان، حيث أكد على انفتاح المجموعة على الدول الاعضاء في حلف الناتو، والذي يعد خصما تاريخيا لروسيا، وهو ما يساهم، حال تطبيقه، في الوصول الى نقاط للقاء بين الخصوم، من شأنها تجميد الخلافات وتعزيز المصالح المشتركة، وهو النهج الذي من شأنه الوصول إلى حلول جذرية للأزمات الدولية المعقدة.
النهج السالف الذكر ربما حقق نجاحا ملحوظا في منطقة الشرق الاوسط، عندما قادت الدولة المصرية عدة شراكات، شهدت توسعا لتتجاوز المنطقة، لتضع الخصوم على مائدة الحوار، مما ساهم في تحقيق حزمة من المصالحات الاقليمية، حققت استقرارا نسبيا في اعقاب سنوات الفوضى التي ضربت الاقليم في العقد الماضي، بينما لعبت دورا بارزا في تحقيق قدر من الصمود الاقليمي في مواجهة خطط الاحتلال لتصفية القضية الفلسطينية عبر القصف والتهجير والتشريد والتجويع وغيرها من الانتهاكات التي ترتكب يوميا وسط تقاعس دولي مشين.
وهنا يمكننا القول بأن مجموعة بريكس تمثل نواة مهمة ليس فقط لانهاء الهيمنة وانما لتعزيز الشراكة، كمفهوم بديل للتحالفات التي أرستها التنظيمات الغربية، والتي انفرط عقدها نسبيا بمجرد تضارب المصالح او تغير الإدارات هنا او هناك، مما يفتح الباب أمام بقديم حلول فعالة للأزمات الدولية والتي باتت تطال شعوب العالم باسره وهو ما يمثل تهديدا صارخا للاستقرار العالمي، ربما تجلت بوادره في احتجاجات ومظاهرات وانقسامات كبيرة ضربت الدول التي طالما تنعمت بالاستقرار جراء ابتعادها جغرافيا عن مناطق الصراعات، ليصبح تقديم حلول لتلك الأزمات بمثابة ضرورة ملحة للجميع في لحظة فارقة في التاريخ العالمي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة