من الظواهر اللافتة، الآخذة في التزايد، خلال العقود الطويلة الماضية، تزايد عدد المبدعين الذين يمارسون النقد بجانب كتاباتهم الإبداعية، وبعضهم على هامش كتاباتهم الإبداعية.. (وهذه الظاهرة تختلف عن ظاهرة أقل حضورا، تتمثل فيمن يكتبون نقدا بروح الإبداع، والتي يمكن القول إنها ترتبط بـ"النقاد المبدعين")... وهذه الظاهرة لا تخص حاضر الواقع الأدبي العربي فحسب، إذ لها تمثيلات كثيرة مبكرة، كما أنها لا تخص الواقع الأدبي العربي فحسب، بل يمكن القول إنها "ظاهرة عالمية".
قائمة الأسماء (الكبيرة) التي أسهمت في الإبداع والنقد الأدبيين معا قائمة طويلة، في الأدب الغربي تضم أسماء مثل ميلان كونديرا (الذي يراه البعض جديرا بالحصول على جائزة نوبل، تقديرا لمنجزه الروائي، وقد كتب دراسات نقدية مهمة، ومثل إمبرتو إيكو، الذي كتب دراسات نقدية أكاديمية كبيرة القيمة، وشهر لاحقا بكتاباته الروائية، ومنها روايته الشهيرة (اسم الوردة).. وقبلهما كانت هناك أسماء عديدة، منها إدجار آلان بو، وتوماس ستيرنز (ت. إس.) إليوت، وإزرا باوند، وغيرهم.
القائمة طويلة أيضا في الأدب والنقد العربيين، ومنها أسماء مبكرة نسبيا مثل طه حسين، ويحيى حقي، وأحمد زكي "أبو" شادي.. وفي امتدادها أسماء كثيرة مثل شكري عياد، وإدوار الخراط، وعز الدين إسماعيل، ويوسف الشاروني، وأحمد عبدالمعطي حجازي، وأدونيس، وجبرا إبراهيم جبرا، ولطيفة الزيات، ومحمد جبريل، ورضوى عاشور، ومحمد برادة، وإبراهيم السعافين، ونبيل سليمان، وبهاء طاهر، وعلاء الديب، واعتدال عثمان، وأحمد شمس الدين الحجاجي، وفؤاد قنديل، وحسن البنداري، وأحمد درويش، ومحمد أبو الفضل بدران، وأحمد المديني، وشكري المبخوت، ومحمد بنيس، وأمين الزاوي، وشعيب حليفي .. وغيرهم وغيرهن أسماء أخرى بالطبع.. ومن تمثيلاتها الحديثة سيد الوكيل، ووليد الخشاب، وسحر الموجي، وسيد البحراوي، وزينب العسال، وميرال الطحاوي، ومي التلسماني، وشعبان يوسف، ومحمد إبراهيم طه، وهويدا صالح، وزين عبد الهادي، والسيد نجم، وأحمد إبراهيم الشريف، وشريف صالح.. وكل هذه الأسماء على سبيل التمثيل، وهناك أسماء أخرى كثيرة جدا.
هناك ملاحظة، ينقصها الاستناد إلى الإحصاءات، تشير إلى أن هذه الظاهرة في تزايد متصل خلال العقود الماضية.. وهناك تصورات كثيرة لتفسير هذه الظاهرة يمكن التوقف الإشارة إليها.. ومن هذه التصورات ما يمكن أن يتوقف عند فكرة أن بعض الكتّاب والكاتبات ينطلق من نزوعين متكافئين، إبداعي ونقدي.. ومن هذه التصورات ما يرى أن التجربة الإبداعية نفسها لا تخلو، في بعض مراحلها، من حسّ نقدي، أو أن الكتابة النقدية الحقيقية ليست بعيدة عن روح الإبداع.. ومن هذه التصورات ما يهتم بحقائق ماثلة حول تراجع النقد، خصوصا في العقود القريبة، وعدم قدرته على مواكبة الإبداع، مما جعل دوره غائبا أو شبه غائب، ومما دفع بعض المبدعين والمبدعات إلى القيام بأدوار إضافية تعوّض أو تقاوم هذا الغياب.
وأيّا ما كانت التصورات والتفسيرات، فهذه الظاهرة بأبعادها، وبتمثيلاتها الفردية والجماعية، وبأبعادها القريبة والبعيدة، تطرح أسئلة وتساؤلات متنوعة، وتستحق التأمل من جوانب متعددة.. ولعلها ظاهرة جديرة بأن توضع، هي نفسها، موضع اهتمام الدارسين والنقاد وأصحاب علم اجتماع الأدب والمهتمين بعلم نفس الإبداع.