عمال اليومية فى البدرشين ورحلة الحصول على لقمة العيش.. عبد الله متسلق النخل: أنا أرزقى ويوميتى على الله.. وسيد شرقاوى: أصنع الـ15 قفصا بسعر 150 جنيها وهفضل أشتغل لحد ما أموت على "الأُورمة".. صور

الإثنين، 28 أكتوبر 2024 06:00 ص
عمال اليومية فى البدرشين ورحلة الحصول على لقمة العيش.. عبد الله متسلق النخل: أنا أرزقى ويوميتى على الله.. وسيد شرقاوى: أصنع الـ15 قفصا بسعر 150 جنيها وهفضل أشتغل لحد ما أموت على "الأُورمة".. صور عمال اليومية فى البدرشين
كتبت – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ووليد: بربط الخوص فى موسم حصاد التمور وباقي السنة بشتغل نجار عشان أجيب يوميتى
 


بين أحضان الطبيعة في قرى البدرشين، جمع غفير من الرجال، يجمعهم نسيج واحد في عيد شعبي عنوانه الأصالة والشموخ والكفاح، يخطفون العينين بعزمهم بعد انتهاء موسم الحصاد، الجميع منهمك في عمله، يتبارى في طلب الرزق على أشجار النخيل، حاملين على كاهلهم عبء العودة لصغارهم بـ"اليومية".

لطالما مثلت أشجار النخيل لأهالي المدينة، مصدرًا للرزق طوال العام، بداية من طرحها في شهر سبتمبر وصولًا لتخزين الثمار لعمل العجوة والتمور، إذ تتنوع خيراتها ليستفيد منها المزارعون والفلاحون وعمال اليومية، في قرى (الشوبك الغربي، والمرازيق، والشنباب، وسقارة، ومنشأة دهشور)، فتارة تجدهم يتسلقون النخل بالطبق والمطلاع والحبال لجمع الثمار في موسم الحصاد، وتارة أخرى يتشاركون في تقليمه بـ"السلبة، والبلطة، والمنجل" لتجهيزه لموسم حصاد جديد، ومن حولهم حرفيين يشكلون بأناملهم إبداعات فنية، ورثوا صناعاتها أبًا عن جد.

قرية المرازيق بالبدرشين
قرية المرازيق بالبدرشين
 
موسم حصاد التمور في البدرشين
موسم حصاد التمور في البدرشين

خلية نحل دؤوبة تعمل ليل نهار في نشاط دائم لا ينقطع، هكذا اعتاد أهالي البدرشين في موسم حصاد التمور، بدءًا من مالكي النخل والمستأجرين والعمال الذين يشاركون في عملية جني الثمار وجمعها ونقلها إلى المناشر لتجفيفها وتخزينها وتعبئتها وصولًا لأصحاب العربات الذين يقومون بنقل التمور إلى المناشر وتوزيعها فيما بعد على الأسواق، والعمال الذين يوزعون الجريد على ورش صناعة الأقفاص والكراسي والترابيزات ليبدأ حرفيو المدينة عملهم.

يتسلق عبد الله محمد، النخل أكثر من مرة طوال العام، الأولى لتلقيحه، والثانية لحصاد ثماره، والثالثة لتقليمه ليبدأ في طرح جديد، في مهنة ما زالت تحتفظ بطابعها البدائي: "بنتعلم صعود النخل من صغرنا، اتعلمت المهنة من وأنا عندي 10 سنين، وشغلنا مواسم، يبدأ من أول التطريح والتربيط حتى حصاد البلح والتقليم".

عملية تقليم النخل
عملية تقليم النخل
 
عبد الله محمد طالع نخل
عبد الله محمد طالع نخل
 
عبد الله محمد
عبد الله محمد

يرث أطفال قرى البدرشين حب الأرض والتمسك بها، ويكافحون فيها ولأجلها، فهي هويتهم التي تعبر عنهم وتحفظ تاريخهم وأصالتهم، وتوفر لهم ولأسرهم مصدر رزق دائم: "اتولدنا من صغرنا في الزراعة، ونشأنا على حب النخل وطلوعه، وبقت هي مصدر الدخل الوحيد لكتير مننا، ولو فيه قطعة أرض نزرعها أو مواشي بتسندنا والسند على الله.. الموسم ده مصدر رزق بنستناه كعمال يومية وطلاع نخل من السنة للسنة، بنعمل حساب مراحل التقليم والتطريح والتربيط والحصاد، كل واحد بيحوش قرشين في الموسم يشتري بيهم خروف أضحية للعيد، أو لبس جديد لعياله".

وبينما كان يربط خصره بحبال من الليف، يقف حافي القدمين، يستعد لتسلق نخلة لنزع أوراقها الجافة وفروعها الضارة، قال "عبد الله": "دلوقتي وبعد ما خلص موسم الحصاد، بنستخدم البلطة في تقليم النخل، بنشيل بيها الكرناف والجريد والليف والسباط عشان تظهر النخلة رايقة ونظيفة، وكل حاجة بنستخدمها ونستفيد منها، الكرناف بنستخدمه في الخبيز، والليف بنعمل منه مكانس وأحبال وسقالات المعمار، والجريد بيروح الورش يتنظف ويتربط ويتعمل منها اقفاص".

تجميع جريد النخيل بعد انتهاء موسم الحصاد
تجميع جريد النخيل بعد انتهاء موسم الحصاد
 
عمال اليومية في البدرشين
عمال اليومية في البدرشين
 
عمال اليومية في موسم تقليم النخل
عمال اليومية في موسم تقليم النخل

عمل شاق محفوف بالمخاطر والصعوبات، يكافح فيها للحصول على أجرة بسيطة يعود بها لأبنائه: "أنا راجل أرزقي يوميتي على الله، بقوم من نومي الصبح أصلي وافطر وانزل الشغل، كل يوم على كدة، بشتغل في مهنة صعبة لكن بتسندني، وبدعي ربنا يعيني عليها.. خطورتها كبيرة، يعني أنا دلوقتي شغال ببلطة.. آلة حادة أي خبطة منها بتضيع الإيد، ولو اختل توازني ممكن أقع.. باخذ حذري قدر الإمكان وربك بيستر".

بعد انتهاء موسم حصاد النخيل، يبدأ عبد التواب ربيع، عامل باليومية في قرية المرازيق، عمله في تقليم النخل، في عمل يستمر لساعات طويلة، يقوم خلاله بتهذيب أشجار النخيل، باحثًا عن الرزق: "بنصبح نجمع بعضينا ونيجي على الغيط، نِسن البُلَط، ونطلع النخلة نقلمها، ولو نخل تقيل بياخد وقت، واليومية بعدد النخل اللي اشتغلناه، ممكن يوم اخد 200 جنيه، ويوم تاني 300، والكل بيشتغل وياكل عيش".

تقليم النخل بعد انتهاء موسم الحصاد
تقليم النخل بعد انتهاء موسم الحصاد
 
تقليم النخل في قرية المرازيق
تقليم النخل في قرية المرازيق

لم يمر على تقليم النخل بضع ساعات، حتى وصلت الجمال في صفوف منتظمة لتحمل جريد النخيل إلى ورشة محمود حسانين، ليبدأ الحرفيين عملهم في تصنيع الأقفاص ومنتجات الأثاث المنزلي: "النخلة كلها خير، بعد انتهاء موسم حصاد البلد، بتبدأ مرحلة التقليم والتربيط، تيجي الجمال تحمل الجريد للورشة، ويبدأ العمال في تقشيره وتنظيفه وتربيطه وتصنيع الأقفاص والكراسي والترابيزات والسراير".

تمثل حرفة تصنيع منتجات الجريد، تراثًا قديمًا بقرى البدرشين، وعلامة تميز كثيرٌ من أهلها منذ عقود طويلة، يبذلون فيها مشقة كبيرة لإنتاج عشرات الأقفاص التي توزع على أسواق الخضروات: "مهنة قديمة من التراث، وتواجه خطر الانقراض، كتير من العمال انصرفوا عنها واتجهوا إلى النجارة، والحدادة، وغيرها، لإنها ما بقتش مجزية ليهم ماديًا، يومية العامل في الورشة لا تتعدى 150 جنيه، لكن كل الناس القديمة لسه متمسكين بيها، فيه اللي بيقشر الجريد، واللي بيربطه، واللي بيصنع اقفاص الخضار والفاكهة والعيش، ويعلمه عشان يكون معروف صاحبه، وبعدها ييجي العميل يحمل الشغل على سوق العبور".

استخدام الجمال في نقل الجريد
استخدام الجمال في نقل الجريد
 
الاستعانة بالجمال لنقل الجريد إلى الورش
الاستعانة بالجمال لنقل الجريد إلى الورش
 
تجهيز الجمال لنقل جريد النخل
تجهيز الجمال لنقل جريد النخل

بدأت رحلة سيد أحمد شرقاوي، مع صناعة أقفاص الخضروات والفواكه، منذ 40 عامًا، حيث الكفاح والشقاء من أجل لقمة العيش وتوفير حياة كريمة للأبناء: "اتعلمت تصنيع الأقفاص وانا عندي 15 سنة، كنت بساعد الأسرة، فضلت اشتغل سنة كاملة من غير فلوس، وبعد ما اتعلمت اشتغلت لواحدي وكملت.. بشتغل يوميًا من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العشاء، أعمل فيهم 15 قفص بـ150 جنيه يومية".

منجل، وساطور، ومطارق، ومسامير حديدية، وقرمة خشبية.. أدوات بدائية يعتمد عليها "سيد" في تقليم أعواد الجريد وتقطيعها وتركيبها لتشكيل الأقفاص: "بجيب الجريد وأقطعه بمقاسات وأركب العيدان مع بعضها، بالعِدة بتاعتي المجرد، والملقط، والمسامير.. وانا شغال بكل ما فيا، إيدي ورجلي وعينيا".

سيد شرقاوي صانع أقفاص
سيد شرقاوي صانع أقفاص
 
عمال اليومية
عمال اليومية

لا يكترث "سيد" لما يبذله من جهد وعمل وشقاء في مراحل التصنيع: "الأيام كلها مواقف صعبة، مهنة مش سهلة محتاجة لمهارة وصبر وطولة بال، 18 ساعة وانا قاعد في مكاني، معرض للإصابة في أي وقت"، مستذكرًا أصعب ما تعرض له من مواقف أثناء عمله: "مرة وانا بساوي القورمة بالسكينة عورت رجلي، وبسببها قعدت شهر في البيت وعيالي كانوا بيساعدوني، عندي 3 أولاد، خريج كلية تجارة، وشريعة وقانون، وولد شغال في النجارة".

يعيش "سيد" باكتفاء وقناعة ورضا، يعمل بجد واجتهاد، ويكافح من أجل لقمة العيش وإسعاد زوجته رفيقة الدرب: "أكتر حاجة بتسعدني لما اروح البيت واشوف المدام مبسوطة، هي عيانة وفرحتها بتبسطني.. أي حاجة بتطلبها عايزة أجيبها ليها لإنها عمود البيت واتجوزتها عن حب.. ربنا يخليها ليا مُدبرة وشالت معايا كتير في الوقت اللي كان الشغل فيه مش مكفي لغاية ما ربنا كرمنا، والحمد لله، أهم حاجة الصحة، وهفضل اشتغل كدة لحد ما أموت على القورمة".

تجهيز الجريد لتصنيع الأقفاف
تجهيز الجريد لتصنيع الأقفاف
 
تجهيز الجريد وتنظيفه
تجهيز الجريد وتنظيفه
 
تنظيف أعواد الجريد
تنظيف أعواد الجريد

تصنيع أقفاص الفواكه والخضروات، عملية تتكامل فيها عدد من مراحل العمل والإنتاج، التي يشارك فيها عمال اليومية، ومنهم وليد عبد المقصود، صاحب الـ39 عامًا: "شغال في تربيط الجريد من طفولتي، شغلي كله عِتالة، أي غلطة فيه بتقطم الوسط.. بطلع على العربية أرص الجريد وبعدها أربط الخوص.. كله تحميل على الجسم، والواحد بيستحمل والحمد لله".

يكافح "وليد" في مهن مختلفة حتى يتمكن من الحصول على قوت يومه الذي يستطيع من خلاله الإنفاق على أسرته وتوفير حياة كريمة لها: "شغلي في الجريد بالإنتاج، حرفتنا مرتبطة بموسم الحصاد وبقيت السنة بشتغل شغل تاني زي النجارة، عشان أجيب يوميتي، والحمد لله رضا على نعمة ربنا".

تجميع جريد النخيل بعد انتهاء موسم الحصاد
تجميع جريد النخيل بعد انتهاء موسم الحصاد
 
عمال اليومية في أراضي البدرشين
عمال اليومية في أراضي البدرشين
 
وليد عبد المقصود
وليد عبد المقصود









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة