طوال الحروب التى خاضتها إسرائيل ضد العرب، دائما ما تتكتم وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نشر حجم الخسائر الحقيقية التى يتكبدها جيش العدو خلال تلك الحروب.
الحرب الدائرة الآن على غزة وعلى لبنان يتحدث جنرالات سابقون فى الجيش الإسرائيلى عن خسائر ضخمة فى الأفراد والمعدات، وبشكل خاص منذ بدء محاولات العدوان البرى على جنوب لبنان على عكس ما يعترف به رسميا جيش الاحتلال.
منذ العدوان البرى على جنوب لبنان تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة فى الأرواح والمعدات، فحسب المعلن من البيانات الرسمية من جانب المقاومة، فقد تم تدمير 40 دبابة ميركافا وقتل 90 ضابطا وجنديا من جيش العدو حتى الآن.. بل أن الجيش الإسرائيلى أعلن عن مقتل 10 من ضباطه وجنوده وإصابة 20 آخرين بمعارك جنوبى لبنان فى يوم واحد فقط.
وصحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية كشف عن إحصائية تشير إلى نقل نحو 900 جريح جديد إلى المستشفيات منذ بدء العملية البرية فى لبنان.
فلماذا تخفى إسرائيل خسائرها فى الحرب الدائرة منذ أكثر من عام واتسعت لتشمل لبنان وإيران..؟
إخفاء المعلومات الحقيقية من الجانب الإسرائيلى يمكن تفسيره من زاويتين، الأولى تتعلق بالتأثيرات النفسية السلبية للاعتراف بالأرقام الحقيقية للخسائر على أفراد الجيش وعلى الداخل الإسرائيلى ويدفع إلى العزوف والهروب من الالتحاق بالجيش، خاصة من المستوطنين، وفقدان الثقة فى السردية الإسرائيلية والمقولات الوهمية عن "الجيش الذى لا يقهر والقادر على حماية الكيان".
وطبعا فإن إعلان الخسائر يصعب معه تمرير خديعة الجيش المنتصر وقد تؤدى إلى انقلاب الأوضاع على من يدير ويقود هذه الحرب وفشله فى تحقيق الأهداف منها والمطالبة بمحاسبته ومعاقبته.
والأهم من ذلك هو محاولة الحفاظ على الروح المعنوية لجنود وضباط جيش الاحتلال والشعب الإسرائيلى، وتكريس الشعور بالاستمرار فى الحرب.. لكن الأكثر أهمية هو تصدير حالة الإحباط للمقاومة وللشعب العربى الذى يتابع هذه الحرب بالتزامن مع تكريس المشاهد المأسوية للأطفال والنساء والعجائز، وحجم الدمار والخراب الذى لحق بغزة وجنوب بيروت، وهو ما تقوم به وسائل الإعلام العربية بعفوية أو بتعمد أحيانا لتصدير شعور الهزيمة النفسية لمن يتابع وفقدانه الثقة فى قدراته وفى إمكانية تحقيق النصر أو الأمل فيه الصمود.
الشق الثانى من إخفاء إسرائيل لحجم خسائرها الحقيقية فى الحرب الدائرة الآن هو الرقابة العسكرية على الصحف وباقى وسائل الإعلام للتكتم والتعتيم على الأضرار والخسائر التى تتكبدها الجبهة الداخلية الإسرائيلية فى الشمال، منذ إطلاق حزب الله عملية "الحساب المفتوح"، فى وقت تتعمد فيه المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الإعلامية تسليط الضوء على الهجمات التى يشنها الجيش الإسرائيلى على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية فى بيروت.
والرقابة فى إسرائيل هى وحدة فى الحكومة الإسرائيلية مكلفة رسميًا بتنفيذ الرقابة الوقائية فيما يتعلق بنشر المعلومات التى قد تؤثر على أمن إسرائيل.
ويرأس الهيئة رئيس الرقابة الإسرائيلى، وهو مسئول عسكرى يعينه وزير الدفاع الإسرائيلى، والذى يمنح رئيس الرقابة سلطة منع نشر المعلومات فى وسائل الإعلام، مثل برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلى والعمليات العسكرية الإسرائيلية خارج حدودها.
وفى المتوسط تخضع 2240 مقالة صحفية فى إسرائيل للرقابة من قبل الرقابة العسكرية الإسرائيلية كل عام، حوالى 240 منها كاملة، وحوالى 2000 جزئية يجب تقديم المقالات المتعلقة بموضوعات مثيرة للجدل إلى الرقيب العسكرى الإسرائيلى مسبقًا، وقد يؤدى عدم القيام بذلك إلى فقدان المراسل حقه فى العمل كصحفى فى إسرائيل، وفى حالة المراسلين الأجانب، سيتم منعه من دخول البلاد.
والرقابة العسكرية الإسرائيلية تتمتع بسلطة منع نشر بعض الأخبار خاصة فيما يتعلق بالقضايا العسكرية، مثل عدم الإبلاغ عما إذا كان الصاروخ قد أصاب هدفه أو أخطأه، أو تحركات القوات، وما إلى ذلك، ولكنها مخولة أيضًا بالتحكم فى المعلومات المتعلقة بصناعة النفط وإمدادات المياه.
والصحفيون الذين يتجاوزون الرقابة العسكرية أو ينشرون مواد خاضعة للرقابة قد يتعرضون للملاحقة الجنائية والسجن. فالرقيب يتمتع بسلطة إغلاق الصحف.
التصريحات غير الرسمية التى تناقلتها بعض وسائل الإعلام على لسان جنرالات سابقين بالجيش الإسرائيلى تشير إلى خسائر فادحة، ترفض إسرائيل الكشف عنها للحفاظ على الروح المعنوية للأفراد والداخل الإسرائيلي.
فجيش العدو يمر بأوقات صعبة فى الشمال وعلى الحدود اللبنانية، هناك الكثير من التطورات والخسائر والأضرار المسكوت عنها على الجبهة الشمالية، بعد الضربة القاسية التى لحقت بإسرائيل خلال جولات التصعيد مع حزب الله، كما قال الباحث بالشأن الإسرائيلى أنطوان شلحت. ونشأ واقع جديد وغير مسبوق فى المناطق الشمالية الإسرائيلية مع نزوح قرابة 100 ألف إسرائيلى، والتدمير الكبير الذى لحق بهذه المناطق وتوقف الحياة والنشاط الاقتصادى بها بالكامل.
الخسائر الاقتصادية أيضا تتكتم عليها تل أبيب على الرغم من الأرقام المنشورة من خلال صحف ومجلات اقتصادية عالمية مثل الإيكونوميست أو منظمات التصنيف الدولية.
فعلى سبيل المثال وكما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية -مسموح لها بالنشر- فقد تكبد الاقتصاد الإسرائيلى منذ بداية سبتمبر الماضى وحتى الأسبوع الماضى من شهر أكتوبر الجارى ما يقرب من 25 مليار شيكل أى حوالى 6.8 مليار دولار، وهو ما أدى إلى زيادة العجز فى الميزانية الحكومية للمرة الثالثة رغم الدعم الأمريكى اللامحدود.. علاوة على ذلك فالأموال بدأت فى الفرار من إسرائيل إلى الخارج، فالتدفقات الخارجية خلال شهرين فقط – مايو ويونيو الماضيين- بلغت 2 مليار دولار.
وبحسب "إيكونوميست" فى تقرير لها الأسبوع الماضى، فإن أى اقتصاد فى زمن الحرب يكون على حد السكين، إذ يتعين على الحكومة تمويل قواتها المسلحة، غالبا من خلال الإنفاق بالعجز، مع ضمان بقائها قوية بما يكفى لسداد ديونها عندما يحل السلام. أما السيناريو الكابوسى بالنسبة لإسرائيل فهو صراع ينتشر ويصل إلى القدس وتل أبيب، المركزين التجاريين للبلاد.
فهل تستطيع إسرائيل مواصلة الحرب مع نزيف الخسائر العسكرية والاقتصادية لعام آخر..؟