من يعتقد أن حرب السادس من أكتوبر 1973، كانت مجرد حرب بين جيشين - فقد جانبه الصواب، فمن يريد معرفة ما تعنيه حرب أكتوبر لمصر وللعالم العربي عليه أن يدرس ويستوعب السنوات السابقة لهذه الحرب، حتى يدرك كيف انتشلت المصريين والعرب من يأس سحيق وشعور قاتل بالمهانة والهزيمة والإنكسار.
ربما لا يعلم الكثير من شبابنا أن مصر قد تعرضت في عام 1956، لعدوان ثلاثي من ثلاثة دول هي إنجلترا التي أوجعها جلائها عن مصر عام 1954، وفرنسا التي عانت من الدعم المصري للثورة الجزائرية ، وإسرائيل التي أصبحت العدو الأول لمصر بعد نكبة ١٩٤٨، واحتلالها للأراضي الفلسطينية ، وقد اجتمع الثلاثة متخذين من قرار تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956– ذريعة للعدوان على مصر، هذه باختصار بعض الأسباب ، ولكن المنطقة كانت تموج بصراعات كثيرة كلها كانت تتجه نحو التآمر على مصر ، وهو ما حدث في العدوان الثلاثي في أكتوبر 1956، والذي لم يستمر سوى تسعة أيام ، بعد أن كان الغرض منه إعادة احتلال مصر.
فقد استطاعت مصر بالجهود الدبلوماسية والسياسية أن تنجح في الحفاظ على الأراضي المصرية والسيطرة على قناة السويس ، ولم تستطع الدول الثلاث تحقيق أهدافها في السيطرة على مصر مرة أخرى ، وقد حققت مصر تلك النتائج بمساعدة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، وانسحبت الدول الثلاث مخلفة وراءها قوات طوارئ دولية في سيناء.
على الرغم من أن مصر لم تحقق انتصارا عسكرياً في هذه الحرب لكنها نجحت في دفع هذه الدول إلى الانسحاب من الأراضي المصرية ، لكن منذ ذلك الوقت والإعلام المصري والقيادة المصرية تُعلي من قيمة نتائج الانسحاب ، حتى اقتنع المصريون أن هذا نصر عسكري مؤزر ، رفعه إلى عنان السماء وأقنعه باقتدار أن مصر استطاعت أن تسحق جيوش ثلاث دول، وأن إسرائيل سيتم إلقاؤها في البحر وستنتهي إن آجلا أو عاجلا ، ولم يفق الشعب سوى على هزيمة مخزية في يونيو 1967، اكتشف فيها أن قناة السويس طوال السنوات الماضية كانت مفتوحة أمام الملاحة الإسرائيلية ، بحماية من قوات الأمم المتحدة ، وأن الجيش المصرى والجيوش العربية قد ابتليت بهزيمة ساحقة لم تُمنح فيها فرصة لقتال أو حرب ، وحدث انهيار كامل للجبهة المصرية وللمجتمع المصري وللشخصية المصرية ، المعتزة بوطنها ووطنيتها وتاريخها ، لتفاجأ أن الهزيمة لم تكن هزيمة جيش فقط وإنما هزيمة طالت كل الوطن العربي.
تلك الصورة القاتمة كان الواقع أقسى منها بكثير ، دفعت بكثيرين إلى الهجرة وغيرهم إلى اليأس والاكتئاب ، وغيرهم إلى عدم الاكتراث والانهيار ، وربما كل هذه النتائج هي ما أوصلت المجتمع المصري لما آل إليه الآن.
ثم إستيقظ المصريون والعرب على حرب مباغتة أديرت بما يشبه الإعجاز ، بأسلحة لا تضاهي أسلحة العدو من حيث الحداثة أو الكم ، وجيش يملك عزيمة لا مثيل لها وشعب انتفض وتحول إلى إيمان وأمل وشموخ ، ودول عربية مصطفة من أجل النصر .
التحولات السياسية والاجتماعية والوطنية التي أحدثتها حرب أكتوبر قلبت المجتمعات العربية كلها رأساً على عقب ، وسجلت لأول مرة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية انتصاراً تاريخياً، أعاد إلى مصر مكانتها وقوتها الدولية والإقليمية ، وأصبحت المعجزة التي حققها الجيش المصري مادة تدرس في كليات العلوم العسكرية في العالم كله ، فقد صنع الأبطال المصريين ما لم يصنعه مقاتلون من قبل.
رحم الله الرئيس الراحل أنور السادات الذي استطاع أن يطوع إمكانات محدودة وسط ظروف غاية في الصعوبة وحصار دولي ورفض شعبي ، ورغم كل هذا استطاع أن يحقق نصرا مازلنا نعيش على شرفه حتى اليوم ، ونحن ندعو له ولكل شهدائنا الأبرار بكل الدعوات الطيبة التي يستحقونها عن جدارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة