أكرم القصاص

6 أكتوبر الظهر.. اكتشفنا أن بطولات جنودنا أكبر من كل خيال

الأحد، 06 أكتوبر 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

اليوم فى الثانية بعد الظهر تكون 51 عاما مرت على انتصارات أكتوبر، الحرب التى وضعتنا ونحن نودع طفولتنا، على سلم الشباب والإدراك، ارتبطنا بصور الجنود والضباط عائدين بملابس الحرب مبتسمين أو شهداء، صور جعلتنا مرتبطين بهذا الجيش الذى يحمل معنى أكبر كثيرا مما يمكن أن تحمله جولة فى حرب، لقد كانت صور الشباب العائد من الجبهة تثير فينا شعورا غامضا بمزيج من الفخر والقوة.    


كنا عائدين من يوم دراسى عادى، فى المدارس والجامعات ولا توقع لوقوع حرب، خاصة أن مظاهرات طلاب الجامعات الغاضبين وعام الضباب أوحت بأن قرار الحرب ليس قريبا، الشباب يطالبون بالحرب الآن، واستعادة الكرامة، والرئيس السادات يتحمل التظاهرات والانتقادات والهتافات الغاضبة ولا يبدى أى انطباع بأنه سوف يفعلها، وجاء البيان السابع من الإذاعة يحمل رياح البشرى، ويزرع بعض الخوف وسط فرحة الأمنيات.


صحيح أن البلد بقيت فى أجواء الحرب والترقب ما بعد يونيو ورحيل ناصر، لكن الحرب بقيت تخيم على الأجواء بجرائم العدو الإسرائيلى ضد أطفال بحر البقر بالشرقية وعمال أبو زعبل فى القليوبية، ومنذ الهزيمة احتفظ الآباء والأمهات بانكسار وغصة، وظلت الزهرة الزرقاء تصبغ شبابيك البيوت باللون الأزرق.


صحيح لم تشهد الأسواق شحا فى السلع الأساسية، لكن الأمهات والآباء اتخذوا أجواء تقشف كنوع من المشاركة التلقائية، كان هناك شعور بالتضامن والمساندة لأبطال القوات المسلحة، تبدت أكثر فى مظاهرة خرجت فيها البلدة كلها لتودع أول شهيدين من بسيون، كان أحدهما جارنا، ودعتهما البلدة، النساء بالزغاريد والرجال بالهتاف الشهيد حبيب الله. وبعد أيام عاد جارنا عادل شقيق زميلى ميشيل بملابس الجبهة واحتفلنا به كبطل عائد من العبور استقبله الرجال والنساء بالأحضان والقبلات.


كانت أجواء الحرب فى الإذاعة، والكل ينصت وينتظر نشرات الأخبار، ينتظرون نشرة التاسعة فى التليفزيون التى يستمعون لها بصوت خافت، وفى غرف ذات الزجاج المطلى بالأزرق، وخلال يومين بدأت أنباء عن شهداء سقطوا فى لحظات العبور الأولى، وكان أى بيت يتلقى نبأ استشهاد يتلقى زيارات المشاركة والفخر بشهداء كنا نعرفهم، وبعضهم رأيناه فى إجازة خاطفة قبل الحرب، كانت أصوات الطائرات فى القاعدة الجوية بالقرب منا متواصلة، حتى اليوم المشهود الذى رأيت فيه حطام طائرة إسرائيلية واحتفظت لنفسى منها بتذكار.


بقى طعم النصر فى أفواهنا لشهور، وكان الجميع يتابع أخبار الجبهة فى الإذاعة والتليفزيون والذى كان لا يزال قليلا يتحلق حوله الجميع، مشاعر الفرح ظاهرة لدى آبائنا وأهلنا، ممن عاصروا هزيمة يونيو، وتلقائيا بدأ الناس يحتفلون فى الشوارع، بعض الزغاريد، تلقائيا كان الآباء والأمهات يذهبون لبيوت الأهل ممن لهم جنود وضباط فى الجيش، كنوع من المساندة التلقائية، لم يكن بيت يخلو من مجند أو ضابط، ثم إن الفرح والزغاريد انطلقت من المدارس والمنشآت التى كان يسكنها المهجرون من مدن القناة، تحديدا من بورسعيد، ممن تم إخلاؤهم بعد 5 يونيو، كان الفرح مضاعفا، بحجم تضحياتهم، اعتدنا على وجودهم واختلطنا بهم واختلطوا بنا وظللنا أصدقاء لسنوات حتى ما بعد عودتهم إلى مدنهم بالقناة.


كانت الإذاعة ثم الصحافة والتليفزيون مصادر المتابعة للمواطنين، هناك صور خلدت الانتصار، محمد العباسى أول من رفع علم مصر بعد عبور القناة، وخلدته أغنية «محمد أفندى رفعنا العلم»، والبطل عبدالرحمن أحمد عبداللاه القاضى، وصورته الأيقونة يرفع البندقية باليمين ويضم قبضته الشمال ويصرخ فرحا، والبطل محمد طه، صاحب أشهر علامة نصر، الصور أيقونات ودليل على بطولات المصورين والمراسلين العسكريين الذين كانوا يدا بيد مع أبطال القوات المسلحة، وبعضهم استشهد أو أصيب.


بعد أيام عدنا للمدرسة الإعدادية كانت فرحة العبور على وجوه المدرسين والمدرسات وحكاياتهم، وعبقرية العبور وبطولات جنودنا، كانت قصص البطولات تجمع بين الواقع والخيال، واكتشفنا أن ما جرى فى الحقيقة أكبر كثيرا من كل خيال.

 


مقال أكرم القصاص

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة