محمد أحمد طنطاوى

الساتر الترابي ليس خط بارليف.. ومعركة العبور ليست "خرايطم المياه"..

الأحد، 06 أكتوبر 2024 01:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كلما مرت ذكرى السادس من أكتوبر 1973، كلما شعرنا أنها كانت أمس القريب، واسترجعنا معها عظمة الانتصار، الذي كان بمثابة معجزة لا يمكن إنكارها، حققتها صلابة وشجاعة المقاتل المصري، الذي طالما استعد وتأهب للقاء العدو المغتصب، فقد أعاد جيل أكتوبر الثقة لجموع المصريين، وبرهن أن هذه الأمة لا يقهرها عدو، ولا تقلل من عزيمتها المحن، لذلك سيظل أكتوبر فصلاً كبيراً في تاريخ المصريين، وعلامة كبيرة لنصر ستخلده الأجيال حتى قيام الساعة.

أكثر ما يقلقني حول حرب اكتوبر المجيدة ما يردده بعض الشباب والصغار، عبر السوشيال ميديا أن خط بارليف دمرته "خراطيم المياه"، وهذا وإن كان قول "حسن النية"، لكنه جحود وإنكار لمجهود خارق بذله رجال القوات المسلحة المصرية في معركة العبور الخالدة، فالبعض يخلط بين الساتر الترابي أو الرملي، الذي أقامه العدو على الجانب الشرقي من قناة السويس، بطول 20 متراً وبزاوية حادة من 45 إلى 60 درجة، حتى يمنع الوحدات الثقيلة " معدات ومدرعات ومركبات" من العبور إلى الضفة الشرقية.

نعم كان فتح ثغرات في الساتر الترابي من خلال طلمبات المياه ذات الضغط العالي، فكرة عبقرية للضابط مهندس باقي زكي يوسف، تعتمد على إزالة الرمال باستخدام مياه القناة، وهي طريقة أسرع من الديناميت أو رفع الرمال باستخدام معدات الحفر، لكنها لم تكن المشكلة الوحيدة أمام عملية العبور، التي كانت محاطة بالصعاب والمشكلات، فلم يكن خط بارليف كما يتصور جيل السوشيال ميديا، ساتر ترابي على طول خط قناة السويس، بل كان أحد أهم الخطوط الدفاعية في تاريخ الحروب الحديثة.

في مذكراته عن حرب أكتوبر، وتحت عنوان قناة السويس وموانع العبور، يشير الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة إبان حرب اكتوبر المجيدة، إلى أن خط بارليف كانت يمتد شرق قناة السويس بعمق من 25 إلى 30 كيلو متر، وبطول القناة حوالي 180 كم، وكان يعتمد بشكل أساسي على النقاط الحصينة، الواقعة بجوار خط القناة، ومحاطة بحقول الألغام والموانع الصناعية الصعبة والأسلاك الشائكة، ويتكون من 35 نقطة حصينة، تتراوح المسافة بينها حوالي كيلومتر واحد في الأماكن والاتجاهات المهمة، إلى 5 كيلومترات في المناطق غير المهمة، أما في منطقة البحيرات المرة تتابعد هذه الحصون لتصل إلى 10 إلى 15 كم بين كل نقطة وأخرى.

يستفيض الفريق الشاذلي في وصف خط بارليف ويقول:" كانت النقاط الحصينة لديها الاكتفاء الذاتي لمدة 7 أيام، ولها اتصالات مباشرة مع قيادتها الخلفية، وكانت القوة الأساسية التي تحمي خط بارليف مكونة من لواء مشاة قوامه حوالي 2000 إلى 3000 جندي، و3 ألوية مدرعة بمجموع 360 دبابة، يتم توزيعها بصورة تضمن لها سرعة التحرك حال هجوم الجيش المصري، وقد كانت تتمركز قوة من لواء مدرع "120 دبابة"، على مسافة من 5 إلى 8 كم، ثم باقي القوات " 240 دبابة" في نطاق من 25 إلى 30 كم، وتنضم هذه الوحدات لبعضها البعض، حال الهجوم من الجانب المصري، وتتحصن في مواقعها الدفاعية.

لقد كانت النقاط القوية تشمل أيضاً خزانات لمادة النابالم الحارقة، التي كانت تتصل بقناة السويس من خلال مواسير وفتحات ممتدة، بحيث يتحول سطح القناة إلى لهب مشتعل، إذا حاول الجيش المصري عبور قناة السويس، وقد نجح رجال الضفاضع البشرية بالقوات البحرية في سد هذه الفتحات، وتحييدها عن المعركة خلال ساعات العبور.

تدمير خط بارليف لم يكن بخراطيم المياه كما يروج البعض، بل كان أعظم عمل عسكري شهده التاريخ الحديث، وأهم معركة للأسلحة المشتركة قادها الجيش المصري بتخطيط شديد الدقة والكفاءة، لذلك يجب أن نفرق بين الساتر الترابي وخط بارليف، فالأول مجرد جزء وتحصينة واحدة من عدة تحصينات وتعقيدات كانت تجعل عبور القناة عملية مستحيلة على أي مقياس عسكري، لكن عظمة التخطيط وإدارة الحرب من جانب القوات المسلحة المصرية، حولت الحلم لحقيقة.. كل التحية لجيل أكتوبر المجيدة، الذي تحمل المسئولية ودافع عن تراب الوطن، ومنحنا الحرية والكرامة.
 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة