لعبت شركات قطاع الأعمال العام دورا مهما في انتصار أكتوبر المجيد، ليس فقط في الانتصار، بل قبل الانتصار بسنوات من خلال توفير أغلب احتياجات المعركة بداية من الملابس إلي قطع الغيار والخامات من الصلب، وغيرها من احتياجات التجهيز للحرب ثم وقت الحرب والانتصار بخلاف العمل على مدار الـ 24 ساعة بنظام ال3 ورادى وإلغاء الاجازات حتى أيام عيد الفطر المبارك .
يشير المهندس إبراهيم صادق الرئيس الأسبق لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة أن كل مصر كانت ملتفة حول الجيش بعد النكسة وحتى تحقيق الانتصار العظيم سواء مشاركة في تامين المنشآت او المشاركة في المعركة او توفير احتياجات المعركة من الملابس على سبيل المثال حيث كانت المحلة تصنع ملابس الجيش والشرطة وملابس للجنود وتوفير ملابس للمصابين بل وتوفير ملابس من الكستور للأسرى طوال فترة المعركة " كل قطعة ملابس من الكستور بنوعيه او الملابس الخاصة بالجيش كنا نصنعها في مصانع المحلة".
يكشف إبراهيم صادق لـ"اليوم السابع" أن الروح كانت مختلفة في ذلك الوقت الكل كان على قلب رجل واحد، والكل يريد الانتصار الذى تحقق بالدم وإصرار جيش مصر العظيم، لافتا أن كل شركات قطاع الأعمال وفرت المنتجات للجيش كل شركة في مجال تخصصها خاصة مصانع الحديد والصلب والمعادن والسبائك وغيرها من المصانع التي كانت قائمة في ذلك الوقت .
يشير إلى أن الحرب على الجبهة، وكان القطاع العام فى حرب إنتاج داخلية أهلته لتوفير احتياجات المعركة واحتياجات الشعب المصرى وقتها، بل والتصدير للخارج لتوفير العملة الصعبة، وكان عدد السكان وقتها 34 مليون مواطن فقط فى أكتوبر 1973 .
وكانت بيجامات المحلة المقلمة أزرق وبنى فى كل بيت وثلاجات إيديال وسخانات المصانع ومنتجات قها عبر منافذ صيدناوى وبنزايون وعمر أفندى وهانو وبيع المصنوعات، لافتا انه وقت الحرب لم يتغيب عامل عن شركته أو مصنعه، لم يحصل عامل على إجازة عيد الفطر، الكل كان فى معركته الداخلية تزامناً مع معركة الانتصار.
من جانبه يوجه اللواء على صبرى، وزير الإنتاج الحربى الأسبق التحية للرئيس عبد الفتاح السيسى ولقوات المسلحة المصرية بمناسبة الذكرى ال 51 لانتصار اكتوبر المجيد ويشير في تصريحات سابقة ل" اليوم السابع" أن القطاع العام قبل وأثناء بذل جهداً كبيراً لتغذية القوات المسلحة بما تحتاجه فى مجالات الأغذية والملابس، نظراً لما كان يفرض على مصر من إجراءات من بعض دول العالم وقتها .
ويضيف "صبرى"، كانت الشركات تخضع لقانون 48 وليس 203 قانون قطاع الأعمال الحالى، وكانت تبذل جهوداً جبارة بهدف تلبية احتياجات الشعب والجيش تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ."
ويشير إلى أن القطاع العام كان يصدر المنتجات الزراعية والغذائية، مثل القطن والخضر والفاكهة للاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية، فى حين كان الاستيراد منصباً على الأسلحة من الاتحاد السوفيتى، لأن الاقتصاد وقتها لم يكن منفتحاً مثل الفترات الحالية.
ويؤكد أن العمل تواصل خلال فترة الحرب، وحتى يوم عيد الفطر لم يحصل أحد على إجازة، علاوة على انتظام العمل تزامناً مع الحرب، بحسب معلوماتى وقتها، حيث كنت أحارب على الجبهة وقتها، وكان الانتظام قبل الحرب بل يكاد يكون قبل الحرب بسنتين .
ويوضح الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، يقول إن القطاع العام تقريباً كان يحارب فى الداخل والجيش يحارب على الجبهة، وكانت شركة المحلة توفر جميع الملابس، خاصة المقلم الأزرق والمقلم البنى، وكانت تصدر لأمريكا، وكانت شركات الغزل والنسيج متميزة جداً مثل الشوربجى والمحلة وشبين الكوم وغيرها .
ويضيف "عبده"، أن أساس الشركات كان توفير الكساء، بغض النظر عن الربح، ومع ذلك كانت شركات قها وأدفينا توفر العصائر والمعلبات بأسعار 7 قروش للعبوة، نظراً لضعف الرواتب وقتها، وكانت بدلة المحلة تباع بـ12 جنيها والبدلة التشيكى بـ17 جنيها والقميص بـ3 جنيهات، مشيراً إلى أن شركات الأدوية والصلب والسيارات تقريباً كانت مسخر لخدمة الشعب، بالإضافة إلى التصدير لتوفير العملة الصعبة، وقتها كان الدولار بـ84 قرشا، وكانت السيارة نصر بـ3800 جنيه والسيارة بـ2800 جنيه وكله بالحجز.
ويشير الدكتور رشاد عبده إلى أنه خلال عمله فى أحد بنوك أمريكا دخل أحد المتاجر لشراء ملابس كانت غالية الثمن فقال له البائع الأمريكى إنها صناعة مصرية، قائلا، "وقتها كنت فخورا بصناعة بلدى التى تدهورت حالياً رغم تعيين وزير مختص لقطاع الأعمال العام".
ويضيف "عبده"، كانت الصناعة المصرية فخرا للعالم، ثلاجات إيديال وسخان المصانع، وإطارات نسر، أما الآن فتدهورت بشكل كبير، رغم الانفتاح الاقتصادى، متسائلاً، أين ذهبت باتا وسافو وغيرها من المنتجات؟.
ويشير "عبده" إلى أن القطاع العام كان متخماً بالعاملين، لأن أيام عبد الناصر كان كل خريج يصله الخطاب الأزرق للتعيين فى أى شركة أو مؤسسة، وبالتالى كان العمال والموظفون أعدادهم كبيرة للغاية، لأن الهدف كان القضاء على البطالة وإتاحة الفرصة للشباب للمعيشة .
ويؤكد رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية أن القطاع العام نجح فى تأمين الجبهة الداخلية وتحمل أعباء كبيرة، ظهر بعد ذلك من خلال مديونية بلغت نحو 33 مليار جنيه، تم تسويتها فيما بعد من خلال بيع الأراضى ودخول البنوك كشركاء.
من جانبه يقول محسن الجيلانى، رئيس الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج السابق، والذى كان يعمل موظفاً بشركة مصر شبين الكوم للملابس أيام حرب أكتوبر، "كنا نعمل من السابعة صباحاً ونتأخر فى العمل أيام المعركة، وكنا نضاعف الجهود بل لم نحصل على إجازة عيد الفطر سنة 1973، وقتها واصلنا العمل بجهود مضاعفة تزامناً مع حالة الفرحة العارمة للانتصار والعبور".
ويضيف "الجيلانى"، "كانت مصر شبين الكوم أشهر من شركة المحلة، وأغنى منها، وكانت تصدر منتجاتها إلى أوروبا الشرقية وتنتج للداخل، ولكن كان الزمان غير الزمان والاقتصاد وقتها كانت اقتصادا شموليا، وكان القطاع العام هو الذى يحارب فى الداخل .
وحول الصعوبات التى واجهت الشركات نتيجة حصار بعض الدول لمصر ومنع الصادرات، يقول "الجيلانى"، كنا نعانى كثيراً من عدم توفر قطع الغيار، وبالتالى لجأنا لتصنيع بديل محلى لها بالإصرار، وكانت الشركات توفر احتياجات الشعب وتصدر وتربح، بالرغم من الظروف الصعبة، وكان عدد السكان نحو 34 مليونا فقط.
ويشير محسن الجيلانى إلى أن المنظومة كانت مختلفة، كنا نحصل على القطن رخيصاً، فكل الشركات تكسب بسبب ذلك، وكنا نبيع العوادم أغلى من سعر القطن نفسه، وحتى الإنتاج السيئ كان يتم بيعه ويحقق أرباحاً .
وخلال أيام الحرب، بحسب محسن الجيلانى، لم يتغيب عامل عن مصنعه، والكل يضاعف الجهد، كانت الحرب على الجبهة وداخليا أيضاً، وكنا نطبق أكثر من وردية أحيانا، مشيراً إلى أن قطاع الغزل والنسيج ظل فى حالة نشاط حتى عام 91، كنا نوفر الملابس ونصدر للخارج، ومختلف الصناعات كانت فى حالة نشاط كبير، لكن الأوضاع تغيرت وبتنا ننتج ثلث احتياجاتنا فقط ونستورد الثلثين.
وعلى غرار كل الشركات ساهمت مصانع الحديد والصلب في توفير المنتجات المطلوبة ، حيث إن العمل انتظم فى الشركة بنظام 3 ورديات يومياً، وأحياناً كان يتم العمل من 7 صباحا إلى 7 مساء للوفاء بكافة الاحتياجات الخاصة بالمصانع الحربية لتلبية احتياجات الجبهة وأيضاً للداخل رغم الصيام والتعب.
وخلال شهر رمضان كان العمال يفطرون فى الشركة، وبعضهم يطبق الورديات لمضاعفة الإنتاج، فبدلا من العمل 200 ساعة شهرياً كانوا يعملون 300 ساعة، وفى الإجازات أيضاً، وبالتالى كان يحصل هؤلاء العمال على قيمة الحافز مرة ونصف".
كما أن الشركة كانت تعتمد فى توفير الغذاء على شركات القطاع العام، وكانت قها تزودهم بالعصائر، وإيديال بالثلاجات، والملابس من المحلة فى إطار منظومة متكاملة، وكان اللافت أنه أيام الحرب لم يتغيب عامل واحد عن العمل، وكانت المنتجات متوافرة فى الأسواق لتلبية احتياجات البيوت .
وساهمت الشركة في توريد منتجات تستخدم فى صناعة المدرعات لمصنعى 100 و200 الحربى، بخلاف تلبية احتياجات السوق من خلال منظومة كبيرة، باعتبار أن ورش شركة الحديد والصلب تعتبر الأكبر فى الشرق الأوسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة