فى الوقت الذى تحتفل فيه مصر بالذكرى الـ51 لانتصارات أكتوبر، تتواصل الحرب التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة، وتكمل اليوم عامها الأول، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يواصل الحرب ويوسع من المواجهة مع جنوب لبنان ويهدد إيران، وهو ما يجعل الإقليم كله على شفا حرب غير متوقعة التفاصيل.
وبمناسبة ذكرى أكتوبر، حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته على التأكيد أن الذكرى تأتى فى ظرف بالغ الدقة فى تاريخ المنطقة التى تموج بأحداث دامية متصاعدة، تعصف بمقدرات شعوبها، وتهدد أمن وسلامة بلدانها، ومع توجيه الرئيس التحية للقوات المسلحة أعاد التذكير بأن الانتصار تم بقوة وإرادة القوات المسلحة ووحدة الشعب المصرى، ودعا إلى ما يحمله هذا الدرس من تنبيه لخطر الحرب وربط إحلال السلام بتوقف الحرب على غزة والانخراط فى مفاوضات سلام تنتهى بحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية.
الحرب على غزة تكمل اليوم عامها الأول، «عام الغليان» وهو ما يمثل أطول جولات المواجهة وأكثرها إجراما من جانب الاحتلال الإسرائيلى، بجانب أنها حرب إبادة حقيقية طالت وحملت طوال الوقت احتمالات اتساع الصراع إقليميا، الحرب فى لبنان بدأت باغتيالات لقيادات حزب الله وإيران، وتتجه إلى محاولات اجتياح برى وسط مخاوف من صراع إقليمى خطر وغير مسبوق.
تكمل الحرب فى غزة، عامها الأول، حرب إبادة وجرائم حرب ضد الإنسانية ومذابح وحصار وحرب تجويع على القطاع، ولا يكتفى نتنياهو بحرق أوراق السلام لكنه يفتح جبهات تنذر بحرب إقليمية فى جنوب لبنان.
عام كامل يثبت أنه أكثر من حرب، بل تحول كبير فى شكل ومضمون الصراع القائم طوال سبعة عقود، بدأت بشكل مختلف واستمر حاملا الكثير من التحولات والإشارات التى ربما تفرض على كل الأطراف النظر بشكل مختلف عما سبق من صفحات فى كتاب الأرض والسلام وطبيعة وشكل الصراع وقدرات كل طرف على الصمود فى الصورة.
ما يجرى على جبهة جنوب لبنان من مواجهة يمثل تحولا كبيرا، وحربا مباشرة تختلف - بشكل كبير - عن حروب ومواجهات حزب الله وإسرائيل، ومواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، تنذر باتساع الصراع، بجانب أن هذه الجولة من الحرب فى غزة أو لبنان كشفت عن دعم أمريكى غير محدود، للعدوان بزعم ضمان أمن إسرائيل، وبالرغم من وجود دور أمريكى فى محاولات وقف الحرب مع مصر وقطر فإن الدعم غير المشروط يقلل من فاعلية الدور الأمريكى كوسيط يمكنه التدخل لوقف الحرب، وقد وظف نتنياهو الانتخابات الأمريكية لممارسة أكثر عمليات الابتزاز، وتسابق الديمقراطيون والجمهوريون على إعلان دعمهم للاحتلال، وكشفت الحرب عن علاقة أكثر متانة وتعقيدا مما يظن أى طرف، يوظفها الديمقراطيون ويزايدون على الجمهوريين، ومن المهم وضع هذا الأمر فى الاعتبار لدى الأطراف التى تنخرط فى المواجهة وتعدل من شكل ومضمون توقعاتها.
ومن متابعة عام كامل على بدء الحرب فى غزة، هناك ضرورة للتأكد من حدوث تغيير بمعادلة الصراع، وظهور مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران بعد سنوات ظلت المواجهة فى حروب بالوكالة، وتطور رغبة الحرب وغرور القوة لدى نتنياهو وتيار متطرف داخل الاحتلال، يعلنون القضاء على حماس هدفا ويضاعف من الحرب على حزب الله وجنوب لبنان، ويعيد صراعا انتهى منذ سنوات، ويهدد إيران بمزيد من المواجهات، بالرغم من أن إيران أعلنت منذ البداية عدم الرغبة فى الدخول بحرب شاملة، ويواجه شكلا جديدا من التحدى، وصل إلى اغتيال قيادات إيرانية بل واغتيال إسماعيل هنية رئيس حماس، وهو ما يجعل المواجهة مع إيران أكثر وضوحا، وهو تحول فى الشكل والمضمون لصراع بقى غير مباشر، لكن نتنياهو أرادها مواجهة قد تمتد لتشعل حربا إقليمية.
ولم ينتبه أى طرف لهذا التحول باستثناء مصر التى حرصت منذ البداية وربما قبلها على التحذير من اتساع الصراع، وسعت مصر فى يوليو 2023، قبل الحرب إلى إبرام مصالحة للفصائل الفلسطينية، بهدف الاستعداد للذهاب معا إلى أى مفاوضات سلام، لكن وقعت أحداث السابع من أكتوبر، وتبعتها التطورات والحرب الصعبة التى تحمل علامات إبادة، وصلت إلى محكمة العدل الدولية، وعجزت المنظمات الدولية عن التدخل مع انحياز أمريكى للعدوان.
كل هذه التحولات تضع المنطقة على شفا حرب شاملة، مع مناورات إسرائيلية للتملص من مساعى وقف الحرب، وإبرام صفقات لتبادل المحتجزين، حيث سعت مصر مع الولايات المتحدة وقطر، لوقف الحرب، والدفع نحو مسارات سياسية تقود إلى حل الدولتين، وتعمل مصر - طوال ما يقرب من العام - على معالجة تتجاوز مناورات الاحتلال، لخبرتها وإدراكها لحجم التحولات، التى تفرض تغييرا فى طريقة التعامل باعتبار القتال مرحلة تسلم لمرحلة أخرى يمكنها تجاوز الحرب إلى مسارات السياسة، وتتعامل مصر مع تقاطعات وتشابكات ومناورات كل الأطراف من واقع خبرة الحرب والسلم، وباعتبار مصر الطرف الذى خاص الحرب واستمر فى السلام، من دون أن يبتعد عن الطريق، بهدف تلافى إشعال حروب إقليمية، تضيع فرص وتضاعف من أزمات الإقليم الذى لم يغادر الأزمات منذ عقد ونصف.
مصر تحرص منذ البداية على السعى لوقف الحرب ومنع اتساعها إقليميا، وتدعم لبنان بمساعدات عاجلة مستمرة بجانب الدعم السياسى والسعى لإنهاء الحرب، وتخوض حروبا داخل هذه الحرب، فى مواجهة أكاذيب ومناورات الاحتلال، والأطراف الأخرى من تجار الحرب، وحروبا ضد مخططات التهجير والتصفية للقضية الفلسطينية، وأيضا لفت النظر إلى تحولات فى شكل ومضمون المواجهة، تفرض على كل الأطراف دراسة وتفهم أهداف ونتائج ما حدث يوم 7 أكتوبر، من جهة التوقيت، وانعكاسات هذا على حاضر ومستقبل القضية وكل الأطراف، بعيدا عن حسابات ضيقة لهذا الطرف أو ذاك.
مقال أكرم القصاص