لم تكن الهجمات الإرهابية من العدوان وجيش الاحتلال تجاه الشعب الفلسطينى المدنى فقط، بل دمرت قوات الاحتلال الغاشمة جزءا كبيرا من إرث دولة فلسطين الثقافى، ابتداءً من فترة العدوان الذي بدأت في 7 أكتوبر 2023 الماضي على قطاع غزة، استهدف الاحتلال خلال هذه الفترة المواقع التراثية والأثرية وعمل على تدميرها ومحوها بصورة كاملة، وذلك ضمن سياسات الاحتلال فى نهب وسرقة وتدمير التراث الفلسطيني منذ نكبة 1948، وقد وصلت جرائم الاحتلال إلى ما يزيد عن 200 موقع أثرى وتراثي.
وحسب المسئولين بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية فقد استهدفت قدوات الاحتلال منذ 7 أكتوبر الماضي مجموعة من المواقع التراثية الهامة وهم مختبرين لترميم وصيانة المخطوطات الأثرية، أحدهما يتبع لدائرة المخطوطات بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فى مبنى أثري بحد ذاته، والثانى لمؤسسة عيون على التراث.
كما دمرت جيوش الاحتلال أيضًا كنيسة جباليا الأثرية التي تعود إلى العصر البيزنطي وقد تم تشييدها عام 444 م، في زمن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وكانت تتميز بأرضيات الفسيفساء والزخارف النباتية والحيوانية والاشكال الهندسية الرائعة، وكانت تعرف باسم كنيسه برفيروس، وتعتبر من أقدم الكنائس في العالم وقد تم تدمير أجزاء من المباني الملحقة بالكنيسة، وذلك بالإضافة إلى تدمير دير سانت هيلاريون "تل أم عامر"، والذى يعتبر من اهم المواقع الأثرية فى غزة وهو مدرج منذ عام 2012 على لائحة اليونسكو للتراث العالمى، كما تم تدمير محيط الموقع والطريق الواصل اليه بسبب العدوان الاخير للاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، وهدم الجامع العمرى فى جباليا، والذى يُعتبر المسجدُ العمرى أقدمُ وأعرقُ مسجدٍ فى شمال غزة، ويرجع انشاؤه إلى الفترة المملوكية ويعتبر من اهم المعالم التراثية فى شمال غزة، وتم تدميره بشكل كامل خلال العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، وتدمير بيت السقا وهو بيت تاريخى يعود لفترة الحكم العثمانى لفلسطين، وقد تم بناؤه عام 1661 فى عهد السلطان محمد الرابع، وتم تدميره بشكل شبه كلي، وذلك حسب ما أوضحه جهاد ياسين، مدير المتاحف والتنقيبات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
أثار التدمير في غزة
وتسبب الاحتلال أيضًا في هدم مسجد عثمان قشقار الأثرى شرق مدينة غزة، والذي تأسس في عام 620 للهجرة، ورغم صغر مساحته، إلا أنه واحد من أقدم المساجد والأعيان الأثرية فى قطاع غزة، وهو موجود فى حى الزيتون شرق مدينة غزة، ومجاور للمسجد العمرى الكبير، الذى دمره الاحتلال خلال هذا العدوان، بجانب تدمير مكتبة بلدية غزة وهى أكبر مكتبة عامة فى مدينة غزة أقيمت فى مبنى قديم بعد ترميمه وتأهيله سنة 1997م، تحتوى على 25.000 كتاب تقريبًا بعدة لغات عالمية.
مسجد عثمان قشقار
ومن ضمن المناطق الأثرية التي دمرها الاحتلال منذ بدء العدوان هي "المقبرة الرومانية"، وهى مقبرة أثرية فى شمال غزة على أراضى بلدية جباليا، تقع على بعد 750م من البحر، فى مكان يسمى "أرض المحاربين"، تعود إلى الحقبة الرومانية القديمة الواقعة بين القرنين الثانى والرابع بعد الميلاد، تعرضت لأضرار جسيمة بفعل العدوان، كما تم تدمير مجموعة من المتاحف منها متحف القرارة في محافظة خان يونس، ومتحف رفح.
المسجد العمري الكبير.. والذي يعد من أهم وأكبر المساجد التاريخية في فلسطين، ويقع في قلب البلدة القديمة في حي الدرج بمدينة غزة، وبلغت مساحته 4100 متر مربع، كما تميز بهندسة معمارية على الطراز البازيليكي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر الميلادي. وبعض الأعمدة المستخدمة في البناء تم جلبها من بقايا الكنائس المهدمة، وتشير الروايات التاريخية إلى أن بناء المسجد تم على مراحل، وكان له استخدامات مختلفة عبر تاريخه، وكان في البداية معبداً، ثم تحول كنيسة، ثم تحول مسجداً بعد الفتح الإسلامي، ويوجد إلى الشمال من المسجد صحن تبلغ مساحته التقريبية 1900 متر مربع، وتعرّض للدمار بشكل كامل.
المسجد العمري الكبير
مسجد السيد هاشم.. وهو ضمن المساجد التاريخية المهمة بمدينة غزة وقد تعرّض للدمار بشكل جزئي، ويقع في حي الدرج بمساحة تقدر بنحو 2400 متر مربع، كما يعتبر من أجمل وأقدم مساجد غزة، ويضم مسجد السيد هاشم ضريحاً أسفل قبته يعتقد أنه قبر هاشم بن عبد مناف الجد الأكبر للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم، وتم تشييد المسجد الحالي في العصر العثماني على الطراز المعماري المملوكي. ويكشف القسم (المخطط) الأفقي للمسجد عن صحن مفتوح مربع الشكل في المنتصف، تحيط به ثلاثة أروقة خارجية للصلاة.
مساجد في غزة
حمام السمرة.. يقع في حي الزيتون قلب مدينة غزة التاريخية، ويعد ثاني أقدم المعالم بعد المسجد العمري، وهو الوحيد المتبقي من الحمامات التاريخية في قطاع غزة، أنشئ في العهد العثماني على مساحة 500 متر مربع، ثم أعيد ترميمه وتجديده في العصر المملوكي، على عهد الملك سنجر بن عبد الله المؤيدي، وسُمي بهذا الاسم نسبة للسامريين الذين عملوا فيه لفترة من الزمن، كما يعد حمام السمرة مزاراً طبياً وسياحياً؛ إذ تتميز أرضيته بدفئها على مدار اليوم وقد استخدم في بنائها الحجر الرخامي؛ لمقاومته رطوبة الماء، وتميز الحمام بروعة التخطيط والبناء العمراني الذي يتجسد بتدرج درجات الحرارة عند الانتقال من غرفة لأخرى؛ إذ تبدأ بالغرفة الباردة فالدافئة ثم الساخنة.
حمام السمرة
قصر الباشا (دار السعادة): وهو أحد أهم معالم العمارة الإسلامية بقطاع غزة ويقع في حي الدرج في الجهة الشرقية من البلدة القديمة، ويعدّ هذا الحي من أغنى المباني التاريخية، ويسلط الضوء على تاريخ غزة الغني على مر العصور، وقد تعرّض للدمار الجزئي، ولا توجد لوحة تأسيسية تؤرّخ بناء هذا المبنى، لكن يقال إنها تعود إلى العمارة الإسلامية المملوكية، كما يدل على ذلك وجود شعار الأسد عند المدخل الرئيسي للقصر.
قصر الباشا (دار السعادة)
مقبرة دير البلح.. تُعدّ مقبرة دير البلح، من أهم المقابر التاريخية والأثرية في غزة، حيث تعكس تاريخ الشعب الفلسطيني على مدى عصور عدة، وأجريت الكثير من التنقيبات الأثرية على ساحل دير البلح بين عامي 1972 و1982، وكشفت عن أهم مقبرة يعود تاريخها إلى العصر البرونزي المتأخر (1550 - 1200 قبل الميلاد)، وتنسب هذه المقبرة إلى ما يسمى "ملوك الفلسطينيين" وتتكون من مجموعة بارزة من التوابيت الفخارية ذات الشكل البشري، وتشكل هذه التوابيت أكبر مجموعة تم اكتشافها في فلسطين على الإطلاق، وتشبه التوابيت الفرعونية المصرية. وتم العثور عليها في مقابر منحوتة من الطين الأحمر أو حجر الكاركار، مواجهة للبحر، وسرقها الإسرائيلي موشيه ديان فيما بعد، وقد تعرّضت للدمار الكلي بسبب قوات الاحتلال والعدوان الغاشم على القطاع.
المدرسة الكاميلية.. وهي المدرسة التاريخية الوحيدة المتبقية في غزة، وتقع في قلب البلدة القديمة في غزة، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الملك الأيوبي الكامل الذي بناها سنة 653هـ (1237م)، واستخدمت المدرسة منذ إنشائها لإيواء الفقراء والطلاب والتجار وظلت نشطة حتى عام 1930.
مقام الخضر.. يقع هذا المقام في وسط مدينة دير البلح وفيه مصلَّى صغير ومحراب وساحة وثلاث قباب، يتصل بـ10 درجات بقبو أسفله وفيه دير القديس هيلاريون أو "هيلاريوس" 278 - 372م الذي يعود إلى القرن الثالث الميلادي، وتدل الدراسات على صحة فرضيتها بأن خطة مبنى مقام الخضر تظهر عناقيد مصلّبة تذكّر بفن العمارة الصليبي، كما توجد في المكان نفسه بعض النقوش اليونانية والتيجان الكورنثية والأعمدة الرخامية؛ الأمر الذي يؤكد بناء مقام الخضر فوق الدير الصليبي، بينما تقول الروايات الأخرى إن اسم المقام منسوب إلى القديس "جورجس"، وتعني هذه الكلمة "الخضر" باللغة العربية.
تراث غزة يتدمر بالكامل