كما نتحدث عن المصريين الذين أبهروا العالم بإبداعاتهم وتفردهم وهم أحياء يرزقون، وجب علينا أيضاً أن نحيى ذكرى من رحلوا عنا وتركوا من خلفهم ميراثا عظيما من العلم الذى ننتفع به وينتفع به الكثيرون من مختلف أنحاء العالم، فحقاً ذكر الفتى هو عمره الثانى كما قال (المتنبي).
أختص فى مقال اليوم العالم المصرى الكبير الدكتور ( محمد صلاح النشائي)، الذى رحل هذا العام فى الخارج عن 84 عاما (1940-2024) بعد أن اقترب من الحصول على جائزة "نوبل"، والذى اشتهر فى الجامعات الأوروبية، والأمريكية بـ"آينشتاين المصرى"،
وهو صاحب نظرية "النشائى لتوحيد قوى الطبيعة كلها فى قانون واحد"، ما يعد تعميما لنظرية "النسبية"، أى أن هناك قوة واحدة تشمل القوى الأربع الأساسية (الجاذبية، والكهربائية، والمغناطيسية، والنووية)، وهو أيضاً المهندس الذى أتقن الفيزياء، وسبق أهلها، وناقشهم فى كل جامعات أمريكا، وأوروبا، وحتى الهند، وكرمه العالم (شرقا وغربا)، فاسمه ملأ السمع والبصر فى كل جامعة فى عالمنا.
لقد رحل العالم المصرى المحب للفن، والأدب بكل أشكالهما، والذى جمع بين الهندسة، والفيزياء، والفلسفة، والرسم بالزيت، والاستماع إلى الموسيقى، والمغرم بالعقاد، وطه حسين.
- عن العالم الراحل ( محمد صلاح النشائي):
ينتمى النشائى لأسرة كلها من العلماء، ولد محمد صلاح الدين حامد النشائى، عام 1940 بالظاهر، القاهرة، لكن أصول العائلة من فاراسكور فى دمياط.
- والده ضابط جيش علم أبناءه ليكونوا علماء فى مجالهم (محمد وعمرو وسعيد)، والذين يشير العالم كله إلى أسمائهم بالبنان.
- حصل على الابتدائية والإعدادية من مصر، وبعد قيام ثورة يوليو تبدلت أحوال عائلته، حيث تقاعد والده من عمله كضابط بالجيش، وقررت أمه أن تصطحب أخيه الأكبر فى سفره لدولة الكويت، وهنا رأى والده ضرورة سفر ابنه ذو الخمسة عشر عاماً لألمانيا كى يستكمل تعليمه هناك، فحصل على الثانوية العامة من ألمانيا وكذلك دبلوم الهندسة، وحصل على الدكتوراه من إنجلترا، وكان موضوعها (علم الثبات والاستقرار) وهو ثبات المنشآت القشرية مثل تغطية الاستادات بغطاء ثابت وقوى.
- وكان قرار والده المفاجئ على غير رغبة منه، ولم يكن هذا هو الشيء الوحيد الذى فعله، لقد أصر والده أيضاً على أن يلتحق محمد بكلية الهندسة، فى حين كان محمد يعشق الفن ويرغب أن يكون فناناً.
- إذ كانت هناك عبارة شهيرة لا يمل والده أن يرددها له وهى : "إما أن تصبح مهندساً أو أن تصبح حماراً"، وبخفة دمه الملحوظة يقول: "ولأنى لا أريد أن أكون حماراً، التحقت بكلية الهندسة، فقد كان أبى على قناعة كاملة بأن الفن والأدب ليسا إلا هواية، ولا ينبغى لهما أن يكونا أكثر من ذلك".
- ومرة أخرى يجبره والده على التخلى عن دراسة الهندسة المعمارية التى رأى فيها عوضاً عما فاته فى دراسة الفن والأدب، طالباً منه أن يدرس الهندسة المدنية.
- درس النشائى الهندسة المدنية دون حماس، وبعد تخرجه من جامعة هانوفر الألمانية فى عام 1968، عمل قرابة ثلاث سنوات فى بعض الشركات العاملة فى مجال تصميم الشوارع والكبارى، إلى أن جاء يوم تحدث إليه أستاذه ناصحاً باستكماله لدراسته الأكاديمية على أن يكون ذلك فى أمريكا، واستجاب النشائى إلا أنه قرر الذهاب لإنجلترا بدلاً من أمريكا، وهناك حول مساره من دراسة الهندسة الإنشائية لدراسة الميكانيكا التطبيقية، حيث غاص فى هذا العلم باحثاً عن الأسس التى قام عليها، لينال درجة الماجستير والدكتوراه فى هذا التخصص من جامعة لندن.
- حطم الدكتور محمد الرقم القياسى فى الأبحاث، والعلوم التطبيقية، والفيزيائية الصعبة، وهو صاحب مجلة متخصصة فى أدق قضايا العلوم بأمريكا وإنجلترا وهولندا، ليصبح مرجعاً لكبرى جامعات العالم.
- هاجر النشائى من جامعات أمريكا إلى أوروبا تمهيدا لعودته إلى مصر، فلم يفارقه حنينه الى الوطن لحظة واحدة مثلما لم يفارقه حسه الأدبى والفنى الذى كان جزءاً أصيلاً بتركيبته الشخصية .
- لديه ابنتان، إحداهما فى السادسة والعشرين من عمرها، والأخرى معمارية تقيم بإنجلترا.
- تكشف نظرية النشائى النقاب عن أن هناك قوة واحدة تشمل القوى الأربع الأساسية المعروفة فى الطبيعة، وهى قوى الجاذبية والقوى الكهربية والقوى المغناطيسية بالإضافة إلى القوى النووية. إذ استغرق عمل النشائى فى هذه النظرية 15 عاماً، لكنه لم ينته منها ويقوم بنشرها إلا من 4 سنوات فقط.
- تم تكريمه فى جامعة حيدر أباد بالهند، كما كرمته مصر بمنحه جائزة الدولة التقديرية.
يقول النشائى واصفاً نفسه: (عالم بأحاسيس فنان)، فقد كان يمتلك روحين يسكنان جسداً واحداً، روح أدبية فلسفية وروح هندسية علمية، فعلى الرغم من حبه لعلم الطبيعة منذ الصغر، نشأ أيضاً محباً للفن والأدب بجميع أشكالهما، حيث دأب على قراءة كتب الفلسفة، والرسم بالزيت، والاستماع إلى الموسيقى.
- يتحدث النشائى العربية بطلاقة، ويكتب الشعر، ويهوى القراءة، ومن كتابه المفضلين المعرى والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، كما أنه يعشق مسرح العبث ورواده اوجين يونسكو وصمويل بيكت.
- كانت أمنيته أن يصبح مخرجاً سينمائياً أو كاتباً مسرحياً. وربما هذا ما دفعه إلى الإعلان عن قراره ورغبته الشديدة فى التفرغ للكتابة.
ومن آرائه:
"العلم بدون حكمة مثل عضلات بدون مخ، فهو يحط من شأن الإنسانية".
والعلاج فى تقديره هو أن يسير الأدب والدين بجوار العلم جنبا إلى جنب.
- وكثيراً ما كان يخشى أن يكبر أولاده فى بيئة تعترف بالإباحية. وفى هذا الإطار يعترف بأن انتقاله من الولايات المتحدة الأمريكية لأوروبا بعد أن قضى عدة سنوات بأكبر جامعاتها جاء رغبة منه.
- فكان يقول: "على الرغم من تميز الشعب الأمريكى بالطيبة، وبأنهم أقل عنجهية من شعوب أوروبا التى تفتخر بعراقتها، وبأنهم يتقبلون الأجانب بروح مفتوحة عن أوروبا. فإنهم يختلفون عنهم فى نفس الوقت بالتربية الإباحية لأولادهم، ولقد كان قرار العودة إلى أوروبا على أن تكون محطة لعودتنا مرة أخرى إلى مصر".
رحم الله العالم المصرى الجليل الدكتور محمد صلاح النشائي، وإلى لقاء غير منقطع مع نموذج جديد للتريند المصرى.