تبدو الفوارق بين الحضارتين الغربية والشرقية واضحة إلى حد كبير وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق تحدث عن الألعاب الغربية المبنية على التنافس والعنف في حين أن معظم الألعاب التي نشأت في ظل حضارات شرقية قد قامت على التعاون والرغبة في إظهار المهارة.
وفي الإطار نفسه تبدو الفنون التي تعبر عن رؤى خرجت من الحضارتين مؤكدة للفارق نفسه أو على الأقل لفروق أخرى يمكن أن نلمحها بوضوح عند قراءة بعض الأفلام السينمائية مع ملاحظة أن فن السينما في الأساس يعد فنا غربيا.
في عام 2009 تم عرض فيلم ألف مبروك بطولة أحمد حلمي ومن إخراج أحمد جلال وهو الفيلم الذي أعلن صناعه أنه مستوحى من أسطورة سيزيف، وهو يدور في إطار كوميدي فانتازي حول ما يعرف علميا بحلقة الزمن.
وتدور أحداث الفيلم حول استيقاظ أحمد صباح كل يوم، ليمر بعدة مواقف مختلفة، ثم يموت في تمام الساعة الثانية عشر ليلا، ويستيقظ صبيحة اليوم التالي، ليفاجأ بأنه يعيش اليوم الذي قضاه أمس بكل أحداثه التي تتكرر مع وعيه بذلك، حيث يعيد اليوم تكرار نفسه بأحداث مختلفة، حيث يجد البطل نفسه محاصرًا في يوم واحد فقط من حياته لا يستطيع الفرار منه، غير أن البطل يداوم الإشارة إلى رغبته في تغيير الواقع ربما يؤدي ذلك إلى نهاية لهذه الحلقة الزمنية، وهو بطل يتسم بأنانية واضحة حتى مع أفراد أسرته، وحين يبدأ في التخلص من هذه الأنانية ينتهي الفيلم بموته فعليا حيث لن يتكرر اليوم مرة أخرى، كأنه قد وصل إلى قناعته بأنه لن يغير قدره الذي هو موعد الموت، لكنه يمكنه أن يغير الواقع المتمثل في الأثر الذي سوف يتركه بعد موته.
وقد أشار بعض النقاد وقتها إلى تشابه أحداث الفيلم مع فيلم يوم فأر الأرض، وهو فيلم أمريكي كوميدي إنتاج سنة 1993 بطولة بيل موراي وآندي ماكدويل، وهو يدور حول فيل كونورس الذي يعمل مذيعا تليفزيونيا للنشرة الجوية، أثناء تغطيته ليوم غراوندهوغ يجد نفسه يعيد أحداث نفس اليوم كل يوم، ويتسم هذا المذيع كذلك بأنانية مفرطة تجعله يتعامل مع العالم وكل من فيه بوصفهم أدوات لتحقيق أغراضه، غير أنه عندما يبدأ في الإحساس بالملل من تكرار اليوم نفسه يبدأ في التخلي عن تلك الأنانية ليستيقظ في اليوم التالي ويخرج من تلك الحلقة الزمنية.
والفارق بين الفيلمين على الرغم من التشابه الواضح هو فارق يوضح كيف فهم مؤلف الفيلم المصري الفرق بين حضارتين إحداهما تهتم بحياة الإنسان وتحقيقه لأغراضه في الدنيا حتى لو كانت هذه الأغراض تمثل ملذات محرمة، وحضارة أخرى ينظر أصحابها إلى الدنيا بوصفها معبرا للوصول إلى فردوسهم المنشودة، فيتقبل أبناؤها الموت في سبيل الوصول إلى قيمة عليا.
ربما يمكن قراءة الفرق بين الفيلمين على هذا النحو بالتوازي مع إمكانية قراءة حضارة – إن صح كونها كذلك – تهتم بالظواهر دون عمقها القيمي على عكس الأخرى.
وربما يمكن كذلك النظر إلى المرحلة الحضارية الحالية بوصفها ممثلا للرؤى المادية التي تتجلى فيها الرأسمالية الغربية دون النظر إلى القيم الأخرى.
وربما تجدر هنا التحية لصناع الفيلم الذين لم ينقلوه حرفيا لكنهم قدموا معالجة تتماس بوضوح مع قيمهم الحضارية.