صحيح أن الحرب على غزة كانت كاشفة عن انحياز الإعلام الغربى وازدواجيته وتبنى رواية الاحتلال، فى بدايات الحرب، لكن مواقع التواصل وكثيرا من المنصات نجحت فى توضيح الزوايا الأكثر وضوحا فيما يتعلق بالإبادة والجرائم التى تتم يوميا فى كل الاتجاهات، لكن الواقع أن فكرة الانحياز نفسها معروفة فى كل حرب، وفى كثير من التفاصيل والمواجهات هناك محاولة لطمس الحقيقة والتلاعب بها لصالح المنتصر أو لصالح الرؤية الغربية والأمريكية تحديدا، وكان هذا أحد محاور النقاش حول الإعلام والحرب، فى محاور مؤتمر القاهرة للإعلام، وشاركت فيه مع عدد من الزملاء من منصات ومدارس وتجارب متنوعة فى مصر والعالم العربى.
حيث يرى كثير من المتحدثين والخبراء أن مواقع التواصل والسوشيال ميديا لعبت دورا فى تقديم الحرب من زاوية الإبادة، ومن زوايا إنسانية، عكس الرواية التى روجها الاحتلال، وتبناها الإعلام الغربى التقليدى، والذى سقط فى انحياز فج، وأطاح بالكثير من المثل والأخلاق المعروفة، والمهنية وغيرها، بل والقيم الديمقراطية نفسها التى أطاح بها انحياز فج فى الإعلام، ومن قبله فى الأنظمة السياسية.
ومن البداية فى موازاة الحرب التى يشنها الاحتلال على غزة، لأكثر من عام، كانت هناك حرب أخرى فرضت نفسها، وهى الحرب الدعائية من منصات الإعلام الغربى والأمريكى، والتى عكست انحيازا ينسف أى حديث عن المهنية والحياد، أو حتى التمسك بالحد الأدنى من الأخلاق الإنسانية التى تتعاطف مع أطفال غزة بصرف النظر عن الموقف السياسى، ربما يكون هذا أمرا معروفا منذ عقود، حيث اعتاد الإعلام الأمريكى التعامل بانحياز واضح مع تدمير العراق وتبنى أدلة مزيفة، أو مع حروب أنتجت الإرهاب، بل إن هناك منصات وصحفيين وكتابا كانوا يروجون أن إسقاط الأنظمة وتفكيك الدول لصالح الديمقراطية، وهو ما اتضح زيفه.
الواقع أن الازدواجية والانحياز كانا دائما علامة من علامات التعامل الغربى، حيث يتم تسييس التقارير طبقا للقرب أو البعد من مصالح هذه الدول الكبرى التى تحتوى مطابخ إصدار هذه التقارير، التى كانت دائما منحازة، ومزدوجة، لدرجة أنها تجاهلت على مدى عقود القتل العمد الذى تمارسه إسرائيل ضد الصحفيين فى الأراضى المحتلة، بجانب حروب الإبادة والعنصرية التى تتعامل بها سلطات الاحتلال على مدى سنوات، حيث قتل أكثر من 180 صحفيا فى حرب غزة حتى الآن، وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ الحروب، ومع هذا فإن العالم تعاطف من خلال جهود على السوشيال ميديا، بل إن مجتمعات غربية تظاهرات رفضا لسياسات حكوماتها، تأثرا بما تم نشره خارج الإعلام الغربى.
منذ العدوان على غزة، بدا الانحياز الغربى والأمريكى للرواية الإسرائيلية والصهيونية واضحا، وبالرغم من أن هناك منصات افتراضية أتاحت لأطراف متنوعة أن تروى وتقدم القصة الحقيقية، وتظهر فظائع وجرائم العدوان، فقد تم توظيف المنصات الافتراضية فى الحرب، واتخذت موقفا منحازا للعدوان، لكن الجديد خلال المواجهات الأخيرة هو انحياز منصات «ميتا» أو فيس بوك وتوابعه إنستجرام وغيره للعدوان، بل أيضا لترويج الكراهية طالما كانت ضد الفلسطينيين، بينما تحذف أى منشورات تتعاطف مع أطفال غزة حتى لو خلت من أى تحريض.
واتهم آلاف المستخدمين منصة «ميتا» بتقييد وصول المنشورات، التى تظهر الحقيقة، أو تطالب بوقف العدوان أو تستنكر قتل الأطفال، أو حرب الإبادة، حيث يجرى حجبها أو إزالتها، وزعمت «ميتا» أن إزالتها خطأ فنى أو تقنى، لكن استمرت وحتى الآن عمليات إزالة منشورات تتعاطف مع غزة أو ترفض قتل الأطفال.
والواقع أن مواقع التواصل كانت ولا تزال طرفا فى الصراعات والحروب والدعاية فى حرب روسيا وأوكرانيا، حيث بدأت عمليات وقف وإغلاق ومطاردة للحسابات الروسية والإعلام الروسى، وردت روسيا بالمثل، وهو ما يجعل الحقيقة أول ضحايا الحرب دائما، ويسقط أى ظلال للحياد، ويضع الإعلام ومواقع التواصل طرفا فى الحروب.
فى الحرب على غزة يبدو الأمر أكثر ضراوة، وتلعب الخوارزميات دورا واضحا، وتقوم لجان مراقبة المحتوى فى «ميتا» بدور واضح فى حجب الحقيقة، وتمرير الأخبار والتقارير التى تناسب هذا الانحياز.