شهدت قمة الرياض الأخيرة موقفًا واضحًا لمصر تجاه القضية الفلسطينية، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر ترفض بشكل قاطع أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير الفلسطينيين أو تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش. كما شدد السيسي على رفض مصر القاطع لفكرة استخدام سيناء كوطن بديل للفلسطينيين، مشددًا على أن مصر لن تسمح بأن يكون حل القضية الفلسطينية على حساب سيادتها الوطنية أو كجزء من استراتيجيات تهدف لتفريغ الأزمة الفلسطينية من مضمونها.
في ظل التصعيد العسكري في المنطقة، خاصة مع وجود قوات أمريكية كبيرة في البحرين الأحمر والمتوسط بدعوى مواجهة إيران، تبدو التهديدات على حدود مصر أكثر واقعية، إذ تعكس التطورات المحيطة بغزة محاولة لتوجيه الضغط على الفلسطينيين للرحيل عن أراضيهم، وهو ما تحذر مصر منه. في هذا السياق، يبقى الجيش المصري مستعدًا لصد أي تهديدات خارجية، مع الحفاظ على قدرته الدفاعية القوية كدرع للمنطقة.
الشرق الأوسط تغيرت فيه التوجهات، لهذا فإن عهد ترامب الجديد لن يكون مثل فترته الأولى، فمنذ إعلان "صفقة القرن" التي قدمها دونالد ترامب، تغيرت خريطة التحالفات الإقليمية بشكل غير مسبوق. فالصفقة أسقطت حق العودة، واعترفت بسيادة إسرائيل على القدس والمستوطنات، مما تسبب في تدهور الوضع الفلسطيني وتعقيد الملف. وبتوقيع اتفاقيات "السلام الإبراهيمي" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تعزز الاتجاه نحو شراكات اقتصادية ودبلوماسية دون مراعاة لحقوق الفلسطينيين. ورغم أن سيناء لم تُذكر كجزء من الصفقة، إلا أن التصعيد الحالي يشير إلى احتمال أن تصبح مطمعًا استراتيجيًا، وهو ما يستدعي من مصر اليقظة والتصدي لكل محاولات زعزعة أمنها القومي.
من جانب آخر، تشير التقارير إلى تحركات أمريكية-روسية لبدء تسويات جديدة بالشرق الأوسط، حيث يسعى ترامب لإشراك روسيا في عمليات التسوية القادمة بالمنطقة، معتمدًا على علاقات موسكو مع إيران وحلفائها. كما تعززت هذه المساعي بزيارات مسؤولين إسرائيليين مثل وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى موسكو وواشنطن، مما يوحي بتوجه جديد نحو حلول شاملة للنزاعات.
وبالنسبة لأوكرانيا، يبدو أن هناك توجها مشتركًا بين ترامب وبوتين لدفع العملية السياسية بالبلاد، عبر تنظيم انتخابات رئاسية في 2025، تهدف لاختيار قيادة وسطية تُرضي أطراف النزاع: روسيا، أوروبا، وأمريكا. وتأتي هذه الخطوة ضمن محاولات التوصل إلى تسوية للصراع الأوكراني، خاصة بعد أن بات الرئيس الأوكراني زيلينسكي غير مرغوب فيه لدى بعض الأطراف الدولية، مما قد يكون سبباً في اختلاف التوجهات الدولية بين الرؤية الامريكية الأوروبية اتجاه الشرق الأوسط وخاصة دعم إسرائيل، والتأثير على فاعلية وجدوى استمرار حلف الناتو.
تمثل عودة ترامب للرئاسة والتي لها تأثير غير مباشر على الصراع في غزة، حيث من المحتمل أن يسعى للحد من الإنفاق الأمريكي في الحروب المكلفة، ويرى أن الدعم العسكري والمالي لإسرائيل يشكل عبئًا. ومن منطلقه الاقتصادي، قد يحاول ترامب تهدئة النزاع في غزة لخفض التكاليف، خاصةً أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يكون في شكل منح وليس قروضًا، ما يُزيد من الضغوط المالية على واشنطن.
يبدو أن هذا التحول في موقف ترامب تجاه إسرائيل يعكسه الإعلام الإسرائيلي، الذي أشار إلى تراجع العلاقات بين ترامب ونتنياهو بعد عدم وقوف الأخير مع ترامب في أزماته السياسية السابقة. ومع غياب شخصيات بارزة مؤيدة لإسرائيل مثل مايك بومبيو، تتضح سياسة "أمريكا أولاً" التي ينتهجها ترامب، حيث يعيد صياغة السياسة الخارجية لخدمة المصالح الأمريكية فقط، دون الانغماس في صراعات الشرق الأوسط.
في الختام، يظل موقف مصر واضحًا في رفضها القاطع لأي محاولات للتلاعب بالقضية الفلسطينية حيث تبدو مصر في موقف متأهب للدفاع عن أمنها وسيادتها، مع توجيه رسائل واضحة بأن أي حل للقضية الفلسطينية لا بد أن يحترم حقوق الفلسطينيين وألا يأتي على حساب الأراضي المصرية المساس بأمنها القومي.