لم تعد كرة القدم مجرد لعبة للترفيه، بل صارت صناعة متكاملة تهتم بها الشعوب والحكومات، ويتم فيها استثمار مليارات الدولارات، لتصبح ركنا مهما من أركان الاقتصاد العالمي، وبعد أن كانت مجرد هواية يفرغ فيها الشباب طاقتهم صارت حرفة، بل هي حاضنة لمجموعة من الحرف والحرف المجاورة.
في واحدة من تفسيرات ظهورها بدأت كرة القدم ظهورها التاريخي في أوربا بوصفها لعبة عنيفة يحتفل عن طريقها الجيش المنتصر بواسطة اللعب بجماجم ضحايا الجيش المهزوم، لكنها مع التطور التاريخي والحضاري وعن طريق ميكانيزم التسامي النفسي تم تحويلها إلى لعبة تنافسية تطورت عبر عدة قرون لتصبح اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
وإذا كانت مصر تعد هي الدولة الرائدة في الوطن العربي من حيث بداية لعبة كرة القدم بها على المستوى الشعبي والرسمي، حيث أقدم الأندية الممارسة لها وأقدم البطولات الرسمية، فقد أصبحت الآن كرة القدم المصرية في السنوات السابقة عنصرا مهما من عناصر القوى الناعمة المصرية المؤثرة في محيطنا الحيوي، وقد لا نغالي إذا قلنا إنها صارت من أهم عناصر القوى الناعمة المصرية حين تراجع كثير من العناصر الأخرى عن أداء دورها التاريخي، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته في الدور الذي قامت بها الأندية المصرية في البطولات التي تمت في السنوات السابقة وآخرها بطولة الكونتنينتال منذ عدة أيام.
غير أن العنصر الواجب النظر إليه الآن هو الشكل الحضاري المؤثر الذي ظهر عليه الجمهور المصري في مباراة الأهلي المصري والعين الإماراتي الأخيرة، حيث ظهر هذا الجمهور على مستوى تنظيمي جذب إليه أعين المنافسين قبل الموالين، من حيث طرق التشجيع وتنظيمه والالتزام بالروح الرياضية، بل الأداء الذي أجبر كل المعلقين على التعاطف معه ليصبح الجمهور الكروي منذ تلك اللحظة أحد عناصر القوى الناعمة التي صدرت صورة جمالية وجميلة عن الثقافة المصرية، استطاعت التأثير في كل متابعيها، ليس فقط عن طريق التشكيلات الفنية المنظمة، أو الأهازيج التي بدت كالأغنيات الوطنية، ولكن أيضا عن طريق الصورة البديعة التي ظهر بها الجمهور في المدرجات من دون مشكلة واحدة، ليصبح هذا الجمهور ليس فقط عنصرا دافعا لفريقه نحو الفوز في المباراة، لكن كذلك عبر تحوله إلى عنصر شبه مستقل داخل ملاعب الكرة وعلى شاشات التلفاز.
هذه النظرة التي تجعل هذا الجمهور أولى بالرعاية في هذه اللحظة، ليس فقط بوصفه أحد أعمدة الصناعة الكروية المصرية، أو أحد عناصر تطويرها، لكن أيضا بوصفه تعبيرا عن ثقافة يجب رعايتها وتطويرها، وهو الأمر الذي يجعل من الدعوة إلى إعادة النظر في السماح بامتلاء المدرجات في المباريات المحلية أمرا على درجة من الأهمية والضرورة الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة